للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعرّفهم دينهم خرج معه إلى ظاهر المدينة يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته!.

فلما فرغ قال: «يا معاذ! إنك عسى ألاتلقاني بعد عامي هذا!! ولعلّك أن تمرّ بمسجدي هذا وقبري» ! فبكى معاذ خشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم التفت النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه نحو المدينة فقال: «إنّ أولى النّاس بي المتّقون، من كانوا وحيث كانوا» «١» .

وقد وقع ما أومأ إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنّ معاذا أقام باليمن، حتى كانت حجة الوداع، ثم كانت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحج الأكبر بواحد وثمانين يوما، ومعاذ باليمن.

وقد كان للعناية باليمن ما يبرّرها، فقد ظهر فيها وفي بني حنيفة دجّالان يزعمان النبوة.

ولم يكن لكلا الدجّالين من خلال الرجولة وايات الخير ما يجمع عليه حفنة من الرجال.

ولكنّ داء العصبية العمياء، جعل قبيلا كبيرا من الرعاع يقول:

نحن نعلم أنّ مسيلمة كذاب، ولكنّ كذّاب ربيعة خير من صادق مضر!!.

وقد اشتعلت فتن المتنبئين حينا، ثم داستها أقدام المجاهدين بعد، فأخمدت جذوتها، وذهبت نبوة مسيلمة وغيره كما تذهب بولة شاة على أديم الثرى.

[حجة الوداع:]

أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم نيّته بالحج، وأشعر الناس بذلك حتى يصحبه من شاء.

فترك المدينة أواخر ذي القعدة، بعد أن أمّر عليها في غيابه «أبا دجانة» «٢» .

والحجّ هذه المرة جاء مغايرا لما ألفته العرب أيام جاهليتها.

انتهت العهود المعطاة للمشركين، وحظر عليهم أن يدخلوا المسجد الحرام.


(١) صحيح، أخرجه أحمد: ٥/ ٢٣٥، بسند صحيح عن معاذ.
(٢) لم أجد من أسند هذا، وإنّما ذكره ابن هشام: ٢/ ٣٥٠، معضلا، ولم يجزم به، فإنّه قال: «فاستعمل على المدينة أبا دجانة الساعدي، ويقال: سباع بن عرفطة الغفاري» .

<<  <   >  >>