للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان (فروة بن عمر الجذامي) واليا من قبل الروم على (معان) وما حولها من أرض الشام، فاعتنق الإسلام، وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك.

وغضب الرومان، فجرّدوا على (فروة) حملة جاءت به، وألقي في السجن حتى صدر الحكم بقتله، فضربت عنقه على ماء لهم يقال له: (عفراء) بفلسطين، وترك مصلوبا ليرهب غيره أن يسلك مسلكه! وقيل: إنّه لما قدّم للقتل قال:

بلّغ سراة المسلمين بأنّني ... سلم لربّي، أعظمي ودمائي

فأعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا كبيرا، وأمّر عليه أسامة بن زيد بن حارثة.

وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، يبغي بذلك إرهاب الروم وإعادة الثقة إلى قلوب العرب الضاربين على الحدود، حتى لا يحسبنّ أحد أنّ بطش الكنيسة لا معقّب له، وأنّ الدخول في الإسلام يجرّ على أصحابه الحتوف فحسب.

ولمّا كان (أسامة) شابا لا يتجاوز الثمانية عشر، فإنّ بعض الناس ساءتهم هذه الإمارة، واعترضوا أن يقود الرجال الكبار شابّ حدث.

ولا شكّ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يلتفت في ولايته إلا إلى الجدارة.

فمن استحقّ منصبا بكفايته قدّمه له، غير مكترث بحداثة سنه.

فإنّ كبر السّنّ لا يهب للأغبياء عقلا، ولا الصغر ينقص الأتقياء فضلا:

فما الحداثة عن حلم بمانعة ... قد يوجد الحلم في الشّبان والشّيب

ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- ردا على اعتراض الناقدين-: «لئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبل، وايم الله إن كان لخليقا بالإمارة، وإنّ ابنه من بعده لخليقا بها، وإن كان لمن أحبّ النّاس إليّ» «١» .

وانتدب الناس يلتفون حول (أسامة) وينتظمون في جيشه.

إلّا أنّ الأخبار المقلقة عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرهتهم على التريّث حتى يعرفوا ما يقضي به الله ...


(١) صحيح، أخرجه البخاري: ٨/ ١٢٤، عن عبد الله بن عمر، وصحّحه الترمذي: ٤/ ٣٥٠.

<<  <   >  >>