للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرجل الذي أحيا موات القلوب، وأخرجهم وذرياتهم ونساءهم من الظلمات إلى النور، تطلّعت إليه الأعين الحائرة فرأته متعبا.

انهزمت العافية في بدنه الجلد أمام سطوة المرض العاتي.

إلا أنّه أخذ يحدّثهم ويربّيهم على عهداهم به دائما. وأنصتوا، فإذا هم يسمعون منه عجبا.. أنّه لما أحس بدنوّ أجله أحبّ أن يلقى الله وليس هناك بشر يطلبه بتبعة.

إنّه تحرّى العدالة في شؤونه كلّها؛ لكن من يدري؟ ربما عرض له سهو مما يعرض لبني ادم أو خطأ فجار، وهو الذي يبرأ من الجور وذويه!!.

إذن ليخطب الناس في هذا حتى يستريح ضميره.. قال:

«أمّا بعد أيها الناس! فإنّي أحمد الله الذي لا إله إلا هو.

فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه!.

ألا وإنّ الشحناء ليست من طبعي ولا من شأني. ألا وإنّ أحبكم إليّ من أخذ مني حقا إن كان له، أو أحلّني منه فلقيت الله وأنا طيب النّفس.

وقد أرى أنّ هذا غير مغن عني حتى أقوم فيكم مرارا» .

قال الفضل: ثم نزل فصلّى الظهر، ثم رجع فجلس على المنبر، فعاد لمقالته الأولى في الشحناء وغيرها.

فقام رجل فقال: يا رسول الله! إنّ لي عندك ثلاثة دراهم؟ فقال: «أعطه يا فضل» . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، من كان عنده شيء فليؤدّه، ولا يقل:

فضوح الدّنيا، ألا وإنّ فضوح الدنيا أيسر من فضوح الاخرة» !.

فقام رجل فقال: يا رسول الله! عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله.

قال: «ولم غللتها؟» قال: كنت إليها محتاجا. قال: «خذها منه يا فضل» .

ثم قال: «أيها الناس، من خشي من نفسه شيئا فليقم أدع له» .

فقام رجل فقال: يا رسول الله! إنّي لكذّاب، إنّي لفاحش، وإني لنؤوم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ ارزقه صدقا وإيمانا، وأذهب عنه النوم» .

ثم قام رجل اخر فقال: والله يا رسول الله إنّي لكذاب، وإنّي لمنافق، وما من شيء إلا قد جنيته.

فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له: فضحت نفسك! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

<<  <   >  >>