للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحدث في أثناء المرض أن مرّت أوقات هادئة خيّلت لمحبي الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ أمانيهم في عافيته نجحت، وأنّه يوشك أن يقوم ليستأنف كفاحه في سبيل الله، وليظلّ يحبوهم بعطفه وحرصه وإيناسه ورحمته.

فعن عبد الله بن كعب بن مالك أن ابن عباس أخبره: أنّ عليّ بن أبي طالب خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا حسن! كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أصبح بحمد الله بارئا.

فأخذ بيده العبّاس بن عبد المطلب فقال: ألا ترى؟ إنك بعد ثلاث عبد العصا، وإنّي أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتوفّى في وجعه هذا، وإنّي لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت..!

فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله فيمن يكون هذا الأمر، فإن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا استوصى بنا خيرا، قال عليّ: والله لئن سألناها رسول الله فمنعناها لا يعطيناها الناس أبدا، والله لا أسألها رسول الله أبدا «١» .

وظاهر أنّ العباس يعني الخلافة، فقد شعر الرجل بأن النبي صلى الله عليه وسلم في مرض الموت، وخبرته بأقاربه حين يحتضرون جعلته صادق الحدس في تبيّن مصائرهم.

ولما كان عميد بني هاشم، فقد أهمّه أن يعرف لمن ستكون سيادة الناس بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد اتجه إلى عليّ يبثّه مكنون نفسه؛ لأنّ عليا- بسابقته وكفايته ومنزلته في الناس، وموضعه من الرسول صلى الله عليه وسلم- يعد أول بني هاشم ترشيحا لهذا الأمر.

بيد أنّ عليا كره أن يكلّم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، واثر ترك الأمر لجمهور المسلمين.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه قد همّ بكتابة عهد يمنع شغب الطامعين في الحكم، ثم بدا له فاختار أن يدع المسلمين وشأنهم، ينتخبون لقيادتهم من يحبّون «٢» .


- ٢١٢، من طريق ابن أبي المعلى عن أبيه. ورجاله ثقات غير الابن المذكور فلم أعرفه، وقد قال ابن كثير (٥/ ٢٣٠) : «قالوا: صوابه أبو سعيد بن المعلى» .
(١) صحيح أخرجه البخاري: ٨/ ١١٦- ١١٧.
(٢) يشير إلى حديث ابن عباس مرفوعا: هلموا أكتب لكم كتابا ... أخرجه البخاري: ٨/ ١١٠.

<<  <   >  >>