للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أشدّ الأيام ثقلا عليه، وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إنّي أوعك كما يوعك الرجلان منكم» «١» .

ومع فيح الحمّى وحدّة مسّها لبدنه فقد ظلّ يقظ الذّهن، مهموما بتعاليم الرسالة، حريصا على تذكير الناس بها.

وكان يخشى أن ترتكس أمته فتتعلّق بالأشخاص (الأضرحة) كما ارتكس أهل الكتاب الأولون.

وشدته في إخلاص التوحيد لله هي التي جعلته وهو يعالج سكرات الموت، يرهّب المسلمين من هذا المزلق.

عن عائشة وابن عباس قالا: لمّا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتمّ كشفها عن وجهه فقال- وهو كذلك-: «لعنة الله على اليهود والنّصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» - يحذّر مثل ما صنعوا- «٢» .

وكان يخشى أن تغلب شهوات الغيّ والكبر على أمته.

فإن الذين يتبعون شهوات الغيّ ينسون الصلاة، والذين يتبعون شهوات الكبر يطغون على ما تحت أيديهم من خدم ومرؤوسين ورقيق.

والأمة التي تستبدّ بها هذه الشهوات لا تصلح للحياة، ولا تصلح بها حياة.

ومن اليسير أن يتركها الله تلقى جزاء ما تصنع، وهو خزي الدنيا وعذاب الاخرة.

هذه الخشية حملت النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة أن ينبّه المسلمين إلى معاقد الخير ليتمسّكوا بها.

عن أنس بن مالك قال: كانت عامّة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم- حين حضره الموت-: «الصلاة وما ملكت أيمانكم» ، حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرغر بها صدره، وما يكاد يفيض بها لسانه «٣» .


(١) أخرجه الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود.
(٢) صحيح، أخرجه البخاري: ١/ ٤٢٢؛ ومسلم: ٢/ ٦٧.
(٣) صحيح، أخرجه ابن ماجه: ٢/ ١٥٥؛ وأحمد: ٣/ ١١٧، وغيرهما عن قتادة عن أنس، وفيه خلاف على قتادة، بيّنه الحافظ ابن كثير في (البداية) : ٥/ ٢٣٨- ٢٣٩؛ وذكر عن البيهقي أنه قال: «والصحيح ما رواه عفان عن همام عن قتادة عن أبي الخليل عن سفينة-

<<  <   >  >>