للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأعاد عليه عمرو بن العاص مكتوبا جواب كتابه:

بسم الله الرحمن الرحيم.

أما بعد: يا أمير المؤمنين فإنها تربة غبراء، وحشيشة خضراء، بين جبلين، جبل رمل كأنّه بطن أقبّ وظهر أجبّ. ورزقها ما بين أسوان إلى منشا من البر. يخط وسطها نهر مبارك الغدوات، ميمون الروحات.

يجري بالزيادة والنقصان، كمجاري الشمس والقمر. له أوان تظهر إليه عيون الأرض ومنابعها، مسخّرة له بذلك ومأمورة له. حتى اطلخمّ عجاجه، وتغطغطت أمواجه، واغلولوت لججه، لم يبق الخلاص إلى القرى بعضها إلى بعض، إلا في خفاف القوارب، أو صغار المراكب، التي كأنها في الحبائل ورق الأبابيل. ثم أعاد بعد انتهاء أجله نكص على عقبه، كأول ما بدا، في دربه وطما في سربه. ثم استبان مكنونها ومخزونها. ثم انتشرت بعد ذلك أمّة مخفورة، وذمّة مغفورة لغيرهم ما سعوا به من كدهم وما ينالوا بجهدهم، شعثوا بطون الأرض وروابيها. ورموا فيها من الحبّ ما يرجون به من التمام من الربّ. حتى إذا أحدق فاستبق وأسبل قنواته سقى الله من فوقه الندى، ورواه من تحته بالثرى. وربما كان سحاب مكفهر وربما لم يكن. وفي زماننا ذلك، يا أمير المؤمنين، ما يغنّي ذبابه ويدرّ حلابه. فبينما هي برية غبراء، إذ هي لجة زرقاء، إذ هي سندسية خضراء، إذ هي ديباجة رقشاء، إذ هي درّة بيضاء، إذ هي حلّة سوداء. فتبارك الله أحسن الخالقين.

وفيها ما يصلح أحوال أهلها ثلاثة أشياء: أولها: لا تقبل قول رئيسها على خسيسها. والثاني: يوخذ ارتفاعها (..؟) يصرف في عمارة ترعها وجسورها. والثالث: لا يستأدى خراج كل صنف إلا منه عند استهلاله.

والسلام.

<<  <   >  >>