للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأوثان الاخرى. ولا بد أن نتذكر فى هذا السياق أنه مع ارتفاع شأن الاسلام (النص: ازدياد قوة محمد صلّى الله عليه وسلم) تم تدمير كل هذه الأوثان وتحطيمها «٧» . (المترجم: هذا فى حد ذاته كحقيقة تاريخية مؤكدة، ينسف حكاية الايات الشيطانية من أولها لاخرها) .


(٧) ابن هشام، ٨٣٩ وما بعدها، العزى ٩١٧، اللات، الطبرى ١٦٤٩ مناة.. الخ.
الأمين ولما يبلغ الخامسة والعشرين من عمره. وكان صدقه أمرا مسلما به عند الناس جميعا. حتى لقد سال قريش يوما بعد بعثه: «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل أكنتم تصدقوننى؟ فكان جوابهم: «نعم: أنت عندنا غير متهم وما جرينا عليك كذبا قط» . فالرجل الذى عرف بالصدق فى صلاته بالناس منذ نعومة أظفاره الى كهولته كيف يصدق انسان أنه يقول على ربه ما لم يقل، ويخشى الناس والله أحق أن يخشاه! هذا أمر مستحيل، يدرك استحالته الذين درسوا هذه النفوس القوية الممتازة التى تعرف الصلابة فى الحق ولا تداجى فيه لأى اعتبار. وكيف ترى بقول محمد: لو وضعت قريش الشمس فى يمينه والقمر فى شماله على أن يترك هذا الأمر أو يموت دونه ما فعل، ثم يقول على الله ما لم يوح اليه، ويقوله لينقض به أساس الدين الذى بعثه الله به هدى وبشرى للعالمين!. ومتى رجع الى قريش ليمدح الهتهم؟ بعد عشر سنوات أو نحوها من بعثه، وبعد أن احتمل هو وأصحابه فى سبيل الرسالة من ألوان الأذى وصنوف التضحية ما احتمل، وبعد أن أعز الله الاسلام بحمزة وعمر، وبعد أن بدأ المسلمون يصبحون قوة بمكة، ويمتد خبرهم الى العرب كلها والى الحبشة والى مختلف نواحى العالم. ان القول بذلك حديث خرافة وأكذوبة ممجوجة. ولقد شعر الذين اخترعوها بسهولة افتضاحها، فأرادوا سترها بقولهم: ان محمدا ما كاد يسمع كلام قريش اذ جعل لالهتهم نصيبا فى الشفاعة حتى كبر ذلك عليه حتى رجع الى الله تائبا أول ما أمسى ببيته وجاءه جبريل فيه. لكن هذا الستر أحرى أن يفضحها. فما دام الأمر قد كان كبر على محمد منذ سمع مقالة قريش، فما كان أحراه أن يراجع الوحى لساعته! وما كان أحراه أن يجرى الوحى الصواب على لسانه! واذا فلا أصل لمسألة الغرانيق الا الوضع والاختراع، قامت بهما طائفة الذين أخذوا أنفسهم بالكيد للاسلام، بعد انقضاء الصدر الأول. وأعجب ما فى جرأة هؤلاء المفترين أنهم عرضوا للافتراء فى أم مسائل الاسلام جميعا: فى التوحيد! فى المسألة التى بعث محمد لتبليغها للناس منذ اللحظة الأولى، والتى لم يقبل فيها منذ تلك اللحظة هوادة، ولا أماله عنها ما عرضت عليه قريش أن يعطوه ما يشاء من المال أو يجعلوه ملكا عليهم. وعرضوا ذلك عليه حين لم يكن قد اتبعه من أهل مكة الا عدد يسير. وما كان أذى قريش لأصحابه ليجعله يرجع عن دعوة أمره ربه أن يبلغها للناس. فاختيار المفترين لهذه المسألة التى كانت صلابة محمد فيها غاية ما عرف عنه من الصلابة، يدل على جرأة غير معقولة، ويدل فى الوقت نفسه على أن الذين مالوا الى تصديقهم قد خدعوا فيما لا يجوز أن يخدع فيه أحد.

<<  <   >  >>