للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاجتماعية التى حاقت بمكة، وان اختلفت اعراض المرض فى الحالتين.

أعنى عدم تكيف أو تواؤم العادات والتقاليد البدوية مع حياة المجتمع المستقر (بتعبير اخر أن البدو عندما يستقرون لا يستطيعون الا بعد فتره طويله أن يكيفوا بين أيديولوجيتهم البدوية، وحياة الاستقرار الجديدة) .

والجانب الاقتصادى لهذه الاضطرابات كان- بلا شك- نتيجة الضغط الذى سببه الازدياد السكانى مع قلة الموارد الغذائية. ونتيجة الحرب المريرة التى انخرط فيها أهل يثرب هى أن المنتصرين راحوا- بشكل متتابع- يحتلون أراضى المنهزمين «١١» ، وكما حدث بعد معركة بعاث، فعندما لم يكن هناك سلام رسمى (معتمد أو جرى الاتفاق عليه) وانما مجرد هدنة لالتقاط الأنفاس، كان على الناس أن يكونوا فى حالة حذر دائم (ترقب) ضد هجوم مفاجىء غادر وفى حالة احجام عن دخول أراضى الطرف الاخر. ومع أن انتاج التمور لا يحتاج الى رعاية فائقة كانتاج المحاصيل الاخرى، فان حالة الاضطراب هذه أثرت ولا بد فى تدهور المشروع كما وكيفا. وعادة ما كانت الأطراف المتقاتلة لا تلحق ضررا بالنخيل نفسها، لكن عدم استقرار الحيازة قد أدى بالضرورة الى عدم تفكير الناس فى مشاريع زراعية طويلة المدى. لقد ساد اذن مبدأ الصحراء (احتفظ بما يستطيع سلاحك المحافظة عليه) ، وجرى تطبيق هذا المبدأ فى مجال الأراضى الزراعية. انه اذا تم تطبيق هذا المبدأ عند رعى القطعان فى مساحات شاسعة فلا بأس، لكن ان تم تطبيقه فى واحة خصبة صغيرة المساحة لأدى الى عواقب وخيمة.

لقد احتفظت يثرب بأسس التنظيم الاجتماعى السائد فى الصحراء، فكانت كل عشيرة مسئولة عن أعضائها فكان الأخذ بالثأر أو دفع الدية «١٢» . واذا دافع شخص عن ممتلكاته ففقد حياته، فان التضامن القبلى يضمن أمن الممتلكات. لكن لغياب عامل بعد المسافة الموجود فى


Welhausen ,Op.cit. ,passim. (١١)
(١٢) ابن هشام، ٣٤١- ٣٤٤، عن دستور المدينة.

<<  <   >  >>