للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هشام بن عروة، عن عروة، انه قال: لما رجع من أرض الحبشة من رجع منها ممن كان هاجر اليها قبل هجرة النبى صلّى الله عليه وسلم الى المدينة، جعل أهل الاسلام يزدادون ويكثرون، وانه أسلم من الأنصار بالمدينة ناس كثير، وفشا بالمدينة الاسلام، فطفق أهل المدينة يأتون رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمكة، فلما رأت ذلك قريش تذامرت على أن يفتنوهم، ويشتدوا عليهم، فأخذوهم وحرصوا على أن يفتنوهم فأصابهم جهد شديد، وكانت الفتنة الآخرة، وكانت فتنتين: فتنة أخرجت من خرج الى أرض الحبشة، حين أمرهم بها، وأذن لهم فى الخروج اليها، وفتنة لما رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة.

ثم انه جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم من المدينة سبعون نقيبا، رؤوس الذين أسلموا، فوافوه بالحج فبايعوه بالعقبة، وأعطوه عهودهم، على أنا منك وأنت منا، وعلى أنه من جاء من أصحابك أو جئتنا فانا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا، فاشتدت عليهم قريش عند ذلك، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصحابه بالخروج الى المدينة؛ وهى الفتنة التى أخرج فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصحابه وخرج، وهى التى أنزل الله عز وجل فيها: (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) » *.

وعندما ننظر الى رواية عروة لا بد أن نضع فى اعتبارنا أنه ينتمى الى أسرة الزبير التى كانت معادية لبنى أمية، وأن تراث أسرته كان بالتالى يميل الى المبالغة فى الاضطهاد وتأثيره على مسيرة الأحداث؛ نظرا لأن بنى أمية كانوا مشاركين وبعمق فى المعارضة ضد محمد صلّى الله عليه وسلم. ومن هنا فان الدوافع التى ذكرها عروة لا يمكن اعتبارها رواية متوازنة، فالاية القرانية التى استشهد بها تعود لحقبة مدنية متأخرة «١٨» ؛ وبالتالى فليس يصلح الاستشهاد بها هنا.

واغفال عروة لذكر بيعتى العقبة قد يكون وراء ميل بعض الباحثين الغربيين الى القول بأنه لم تكن هناك الا بيعة واحدة. والأرضية التى


* استخرجنا النص من الطبعة المتاحة لنا (بيروت، دار الكتب العلمية) ج ١، ص ٥٦٤.
Bell ,translation of Quran. (١٨)

<<  <   >  >>