للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهل مكة. الى أى مدى أخبر محمد أهل المدينة بذلك؟ وبأية طريقة صاغ لهم هذا؟ والى أى مدى كان أهل المدينة واثقين من أنفسهم «٢٢» ؟

وقد عبر كيتانى «٢٣» Caetani عن وجهة النظر التى مؤداها أن أهل المدينة قد قبلوا محمدا ككاهن أعلى Superior Soothsayer لمجرد أنهم كانوا راغبين فى استتباب سلام داخلى فى المدينة، وليس لقبولهم كل تعاليم القران الكريم، على الأقل بالمعنى المقصود، ويظن كيتانى أن عدد المتحولين للاسلام تحولا صحيحا كان قليلا. وهذه النظرة تؤكد فعلا العوامل المادية (كما فعل ابن اسحق حقا) لكن ليس من الضرورى أن نقلل من شأن العوامل الدينية أو الأيديولوجية، فالعوامل المادية من ناحية والعوامل الدينية من ناحية أخرى ليس من الضرورى أن تكونا متعارضتين، بل انهما متكاملتان. وقد نتفق على أن الانقسام الأساسى فى المدينة كان بين أولئك الراغبين فى حضور محمد صلّى الله عليه وسلم للمدينة، وأولئك المعارضين لحضوره، وأن التحول للاسلام لم يكن يعنى التحول النهائى، وانما كان مرهونا بالنجاحات السياسية التى سيحرزها محمد صلّى الله عليه وسلم (المترجم: هذا التعبير لا يزيد عن كونه: نجاح دعوته) .

ومن الممكن أيضا أن يكون أهل المدينة كما افترض كيتانى قد فسروا الأفكار اليهودية والمسيحية الواردة فى القران وفقا لمصطلحات وثنية عربية، وبالتالى لم يفهموها على حقيقتها. ومع هذا، فلا بد أن نصدق أن جمهور أهل المدينة الذين آمنوا بمحمد رسولا قد فهموا فحوى الاسلام وجوهره ومبادئه وقبلوها: لقد آمنوا بأن الله هو الخالق، وهو المهيمن على الكون، وهو الحكم العدل يوم القيامة وآمنوا أن محمدا هو حامل رسالة الله الى العرب (المترجم: سبق أن أوضحنا أن هذا لا يعنى أن الاسلام لم ينزل للناس كافة، وانما المؤلف يتعامل مع مراحل: المرحلة القرشية، والمرحلة العربية.. الخ) .

لقد كان المسلمون يوجدون مجتمعا من نوع جديد فى المدينة، وهذا يتطلب أسسا أيديولوجية واضحة ومحددة. وبالنسبة لأهل المدينة


(٢٢) ابن هشام، ٣١٣.
Studi ,iii ,٢٧ -٣٦. (٢٣)

<<  <   >  >>