للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذلك كان لا بد من تميّز هذا اللون من المديح النبوي، والإشارة إليه، لنخلص بعد ذلك إلى المفهوم السائد في العصر المملوكي للمدحة النبوية، والذي جعلها تتميز عن غيرها من قصائد المديح.

لقد مرّ معنا عند الحديث عن الشعر الذي مدح به الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته أمثلة كثيرة تذهب في مدح الرسول مذهبا تقليديا، لا نجد فيها أثر للدين الجديد، أو نجد أثرا باهتا لا يتعدى المفردات التي علقت بأذهان الشعراء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومما جاء به القرآن الكريم، وظل النهج الجاهلي هو السائد في أساليب الشعراء ومعانيهم، لأنهم ظلوا على تقاليدهم الفنية الجاهلية، ولم يسعفهم الوقت لتتم داخل نفوسهم عملية التغيير والانفعال بالوضع الجديد الذي خلقه الإسلام، لذلك لا نجد عندهم قصائد كثيرة توازي في سويتها الفنية ما كان عندهم قبل البعثة، فقد أدخلت عملية التغيير الارتباك والحيرة إلى نفوسهم فهم لا يدرون كيف يخاطبون النبي صلّى الله عليه وسلّم، وليس لهم عهد بمخاطبة الأنبياء، وليس بين أيديهم تراث من ذلك القبيل.

وإذا كان لشعراء زمن البعثة ما يسوّغ لهم التقليدية في مدح رسول الله، فإن من جاء بعدهم، وعاش الإسلام منذ الصغر، وتشبّع بمبادئه، لا يوجد ما يسوّغ لهم التأكيد على القيم التقليدية في مدح الرسول الكريم، ففي العصر المملوكي الذي ذهب فيه الشعراء بالمدح النبوي كل مذهب، لم تختف القيم التقليدية من المدحة النبوية، وظل الشعراء يرددون في مدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم ما كان يمدحه به الشعراء المخضرمون في حياته، وقد خلطوا القيم التقليدية بالمفاهيم الدينية التي تشعبت على عهدهم وفق مذهب الشاعر الديني، وكانت نسبة المعاني التقليدية تقل وتكثر حسب ثقافة الشاعر وموقعه ومذهبه الديني، وتتفاوت من قصيدة إلى أخرى، تطغى القيم التقليدية أحيانا، فيستحيل المدح في معظمه تقليديا، لا يتعدى القيم الحياتية الدنيوية التي يمدح بها الشعراء السادة والعظماء، وتختفي أحيانا أخرى، فتكون الصبغة الدينية هي التي تصبغ المدحة كلها.

<<  <   >  >>