للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وظل تيار التصوف هذا يتنامي ويشتد مع مرور الزمن، وتتضح أبعاده، وتتشكل فلسفته الخاصة المعقدة ويتشعب إلى شعب كثيرة، وفرق متنوعة، أبقى بعضها على كثير من الأصل العربي الإسلامي، وتطرف بعضها، فجاء بأفكار جديدة على العرب وعلى روح الإسلام، مما جعل الناس ينظرون إليهم نظرتهم إلى الزنادقة الخارجين عن الإسلام، وجعل القائمين بالأمر يلاحقونهم، ويقتلون من يتشدد في مذهبه، ويرفض العدول عنه.

وقد اتسع تيار التصوف اتساعا كبيرا في المرحلة السابقة للدولة المملوكية، وظل على اتساعه طول العصر المملوكي كله لأسباب كثيرة، منها الغزو الخارجي الذي كاد أن يعصف بالمسلمين، واضطراب الأوضاع بسبب ذلك، واصطلاح ذلك كله مع الكوارث الطبيعية والأوبئة على العرب المسلمين، مما جعل كثيرا منهم ينصرفون إلى التصوف، ويتخذه قسم آخر طريقا للهرب من الواقع الأليم، وطلبا للأمان الروحي.

وكان للمتصوفة أثر كبير في الفكر والثقافة، وخاضوا معارك فكرية مع أهل السنة من ناحية، ومع الفلاسفة من ناحية ثانية، وأضحى كثير من أفكارهم وعباراتهم، وطريقتهم في التعبير من مستلزمات الأدباء، ومن الظواهر التي تتردد في أدب العصر المملوكي والعصر الذي سبقه.

ومع ذلك لم يتفق الباحثون- على الرغم من ثراء التراث الصوفي- على تحديد مذهبهم، وبيان طريقتهم، لأن المتصوفة أنفسهم لم يظهروا كل ما عندهم، وأحاطوا فكرهم بالغموض، وعبّروا عنه بالرموز، فلا يستطيع الولوج إلى عالمهم إلا كل من قطع شوطا كبيرا في اتباع طريقتهم. لذلك ظل الباحثون حائرين في فهم رموزهم، بل لم يتفقوا على معنى محدد للتصوف، فمنهم من ذهب إلى أنه مشتق من الصوف، وهو اللباس الخشن للزاهدين المعرضين عن نعيم الدنيا، ومنهم من ذهب إلى أنه مشتق من تسمية أهل الصفة من فقراء المسلمين، الذين كان الرسول الكريم يجمعهم ويرعاهم،

<<  <   >  >>