للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنهم من عاد إلى فكرة السفياني المنتظر التي راجت أيام بني أمية في موازاة فكرة المهدي المنتظر، فظهر في بلاد الشام رجل ادّعى أنه السفياني المنتظر، ناصره الفقهاء والعربان، ونادى ببطلان حكم الترك «١» .

أما الرمز العربي في السلطنة فهو الخلافة العباسية، التي أحياها المماليك عندما استقدموا أحد أبناء الخلفاء العباسيين، وبايعوه بالخلافة، ليعطوا لدولتهم الشرعية التي تفتقدها، وليأخذ كل سلطان شرعية حكمه منه، لكن الخليفة كان رمزا دينيا، ولم يكن له أي أثر محسوس في مجرى الأحداث إلا في أحيان قليلة. فالمماليك لم يحتفظوا بالخلافة العباسية إلا لإتمام إجراآت التقليد وتنصيب السلاطين، ولم يسمحوا للخليفة أن يقوم بأي عمل من أعمال السلطنة.

وكان الشعراء الذين يعتزّون بعروبتهم، يغتنمون كل فرصة لإظهار شعورهم هذا، ولو كان ذلك في الغزل بالعربيات في عصر شهد تمجيد كل ما هو تركي حتى في الجمال النسائي.

وظهر هذا الأمر في المدائح النبوية، فأكثر الشعراء العرب ذكر عروبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأشادوا في مدحه بالعرب، وعرّضوا بغيرهم، لأن الإشادة بالعرب في هذا العصر قد تثير نقمة الأتراك، أو توغر صدورهم، فهي تعبر عن موقف سياسي مناوئ للحكام الغرباء، ولكن إدراجها ضمن المدائح النبوية لا تتيح لمعترض اعتراضا، وتظهر أنها إشادة بأهل الرسول الكريم وقومه، فلا يجرؤ أحد على إنكار ذلك. ومدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم يذكّر العرب أن صاحب الأمة ومنشئها منهم، وأن الصحابة الذين حملوا رسالة الإسلام إلى العالم منهم، وأنهم من أمة عزيزة عريقة، عليهم أن يعيدوا أمجادها، وليعي المماليك أنهم أتباع نبي عربي، يحق لأهله الكرامة.


(١) ابن إياس: بدائع الزهور ٢/ ٧.

<<  <   >  >>