للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورأى بعض الباحثين في المولد النبوي ضربا من التأليف في السيرة النبوية، وعدوه نوعا من التلخيص لها، يقتصر على مدة محددة من حياة الرسول، هي طور الولادة والطفولة والنشأة وما سبقها من إرهاصات، وقد تتسع لتشمل الشباب حتى البعثة، «وهو من قبيل ما يعده العلماء الدينيون ليلقوه في الموسم الرسمي، العام بعد العام، في المساجد أو غيرها، وقد زخرت بهذا النوع خزانة التأليف، حتى أصبحت الرسائل التي وضعت فيها لا تدخل تحت حصر» «١» .

وقد اختلف الباحثون حول الزمن الذي ظهر فيه المولد النبوي، والمكان الذي احتفل به، فأرجعه الدكتور عمر فروخ إلى القرن الرابع الهجري، وإلى الدولة الفاطمية، لأن الفاطميين أرادوا «أن يجعلوا لحكمهم السياسي وجاهة، فاتخذوا عددا من المناسبات المشهورة، وتألفوا بها عوام الناس بإقامة المادب العامة وبإقامة معالم الزينة بالأنوار وبقراءة السيرة، وأحب العامة ذلك» «٢» .

وإذا كان الفاطميون قد فكروا في المولد النبوي، فإن الظن يذهب إلى اطلاعهم على الأديان الآخرى، التي أخذوا عنها بعضا من عقائدهم، فأخذوا معها فكرة الاحتفال بالموالد. للغايات التي ذكرها الدكتور فروخ.

ويؤيد هذا الرأي وأن الدولة الفاطمية هي التي سنّت الاحتفال بالمولد النبوي وموالد آل البيت، ذكر المقريزي لمولد نبوي عند الفاطميين سنة (٥١٦ هـ) ، ووصفه للاحتفال بهذا المولد، وما يتمّ فيه من قراءة القرآن وإلقاء الخطب، وإنشاد المدائح، وتوزيع الصدقات، وقد عدد المقريزي الموالد الفاطمية، فوصل بها إلى ستة موالد، هي مولد النبي الكريم ومولد علي ومولد فاطمة ومولد الحسن ومولد الحسين- رضي الله عنهم- ومولد الخليفة الحاضر «٣» .


(١) سيرة ابن هشام: ١/ ٨.
(٢) فروخ، عمر: تاريخ الأدب العربي ٦/ ١١١.
(٣) الخطط المقريزية: ١/ ٢٩٢.

<<  <   >  >>