للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالبوصيري جعل الأنبياء صورة لفضائل النبي المصطفى، وليسوا مثله في ذاته وجوهره، وليس البوصيري بدعا بين شعراء المدائح النبوية في الإغراق والمبالغة في مسألة تفضيل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على سائر الأنبياء والرسل، فهذه المسألة أشبعها أصحاب كتب السيرة المتأخرون، وكتب الخصائص، توسيعا وتفصيلا، بأحاديث وروايات غيبية كثيرة، وقد جاء في كتاب (تاريخ الخميس) أن السيوطي جمع بعض خصائص النبي الكريم في رسالة، سمّاها (نموذج اللبيب في خصائص الحبيب) ، وقال: هي منحصرة في قسمين، القسم الأول في الخصائص التي اختص بها عن جميع الأنبياء، ولم يؤتها نبي قبله، وهي أربعة أنواع: النوع الأول ما اختص به في ذاته في الدنيا ... والنوع الثاني ما اختص به في ذاته في الآخرة..» «١» .

ومضى أصحاب كتب الخصائص في ذكر ما اختص به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دون غيره من الأنبياء، وما فضلهم به، وكأنهم في معركة حاسمة مع أهل الكتاب، يريدون كسبها في هذه المفاضلة، كما يريدون كسب معركة الأمة مع الغزاة الصليبيين.

وعلى الرغم من أنهم رووا حديثا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ينهى فيه عن تفضيله، وقالوا: إنه حديث مشهور، إلا أنهم ذكروا تأويلا لهذا الحديث، يفضي إلى أنه يجب تفضيله «٢» .

واستندوا في ذلك على آيات القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة، وذهبوا إلى أن الله تعالى فضّل بعض الأنبياء على بعض، فرفع بعضهم فوق بعض درجات، واستشهدوا على ذلك بقوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ «٣» .


(١) الديار بكري، حسين: تاريخ الخميس ص ٢١٣ وللكتاب اسم آخر هو الخصائص الكبرى.
(٢) ابن الزملكاني: عجالة الراكب، ورقة ٩١.
(٣) سورة البقرة: آية ٢٥٣.

<<  <   >  >>