للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهم بذلك يريدون الاقتراب من قيمة النسب التي حرص عليها العرب واعتزوا بها، وأعطوها عند النبي الكريم نوعا من القداسة.

إلا أن بعض من قالوا بالحقيقة المحمدية، غالوا أكثر من ذلك، فجعلوا النور المحمدي أول مخلوق، ثم جعلوا الوجود كله مخلوقا من هذا النور المحمدي، أو كما قال صاحب (تاريخ الخميس) في فاتحة كتابه: «الحمد لله الذي خلق نور نبيه قبل كل أوائل، ثم خلق منه كل شيء، من الأعالي والأسافل» «١» .

واشتقت من هذه النظرية فكرة تفضيل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على رسل الله وأنبيائه جميعهم، وجعله أصلهم وأبيهم، فهو وإن كان آخر الأنبياء في عالم الشهادة، لكنه أولهم في عالم الغيب، فالنبي المصطفى «أبو الأرواح، كما أن آدم أبو الأشباح.. فبعد ما خرج من الحجب تنفس بأنفاس، فخلق من أنفاسه أرواح الأنبياء والأولياء والصديقين والشهداء وسائر المؤمنين والملائكة» «٢» .

وقد عبّر المتصوفة عن نظرية الحقيقة المحمدية بشكل آخر، حين صاغوا منها فكرة الإنسان الكامل، فقالوا: «المراد بالنبي صلّى الله عليه وسلّم والرسول، هو الإنسان الكامل الذي اختاره الله تعالى من جنسه، وقربه إليه واصطفاه بالوحي والرسالة..» «٣» .

وقد تنبه الباحثون على أن نظرية الحقيقة المحمدية تلتقي بنظريات مماثلة في الأديان السماوية والفلسفات الأجنبية، أو أنها مأخوذة عن هذه الأديان أو الفلسفات «٤» .

بيد أن هذا التقوّل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والمغالاة في الحديث عنه، والاستغراق في أمور غيبية لا يعلمها إلا الله، مجاراة لغير المسلمين، لم تمرّ دون معارضة، فكثير من


(١) الديار بكري، حسين: تاريخ الخميس ص ٢.
(٢) المصدر نفسه: ص ١٩.
(٣) البغدادي، مصطفى: رسالة تنزيه الأنبياء ص ٥.
(٤) انظر الحياة الروحية في الإسلام لمحمد مصطفى حلمي ص ٥٣ وص ٦٩.

<<  <   >  >>