للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكانت الرحلة لزيارة النبي الكريم تقترن غالبا بالرحلة لأداء فريضة الحج، لذلك أكثر الشعراء من ذكر الحج وخاصة حين يذكرون الأماكن المقدسة ويتشوّفون إليها، وقد يذكرون الحج منفردا عن ذكر المقدسات في الحجاز، وكأن شعراء المدائح النبوية يعرّفون مناسك الحج من يجهلها، أو يثيرون مشاعر الحنين إلى المعاهد المقدسة عند المتلقين لشعرهم، ليسارعوا إلى تلبية نداء الله تعالى، وفي ذلك قال القيراطي من مدحة نبوية:

حبّذا الكعبة التي قد تبدّت ... وهي تزهو في حلّة سوداء

قبّل الخال لا أبالك عشرا ... يا أخا حبّها بغير إباء

واشربن من شراب زمزم كأسا ... دبّ منها السّرور في الأعضاء

ثمّ قف خاضعا على عرفات ... علّ تعطى عوارف الإعطاء «١»

فشعراء المدائح النبوية وجدوا في قصائدهم مناسبة لذكر الحج والمشاعر نحوه، إذ إن الحج عبادة تبيّن تعلق المسلمين بمقدساتهم، وطاعتهم لربهم، وحبهم لرسولهم، وتذكّرهم بالمعاهد التي درج فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وشهدت الوحي والبعثة.

كذلك وجد مدّاح النبي صلّى الله عليه وسلّم في قصائدهم متّسعا للتعبير عن آرائهم الدينية، ولخوض معاركهم العقائدية مع أهل الكتاب الذين حاولوا الانتقاص من الإسلام ونبيّه، وقد مرّت معنا أمثلة على هذا الجدل، وردّ المسلمين على الغزاة، ودفاعهم عن دينهم ورسولهم، ومن هذا الجدل قول البوصيري:

فإن تخلق له الأعداء عيبا ... فقول العائبين هو المعيب «٢»

ولم يكن الجدل الديني بين المسلمين وغيرهم فقط، بل كان فيما بينهم أيضا،


(١) المجموعة النبهانية: ١/ ١٤٠.
(٢) ديوان البوصيري: ص ٨٤.

<<  <   >  >>