للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله صلّى الله عليه وسلّم، وعند الذين وقفوا على الأطلال فيها مجاراة لشعراء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الذين ذكروا الأطلال في مقدمات قصائدهم التي مدحوه بها.

فالصرصري افتتح إحدى مدائحه النبوية قائلا:

لمن دمن بالرّقمتين أراها ... محارسمها طول البلى وعفاها

تحمّل عنها كلّ أغيد آنس ... ولم يبق إلّا عفرها ومهاها

فأضحت قواء بعد طول غنائها ... ينعّم فيها ريمها وطلاها «١»

فالطلول التي عفا الزمان على معالمها، معنى قديم تعاوره الشعراء، وإسكان المها الأطلال معنى تقليدي كذلك.

وتمسّك كثير من شعراء المدائح النبوية بهذه السّنة التقليدية في افتتاح قصائدهم، فوصفوا الأطلال مثل وصف الشعراء السابقين لها، وبالمعاني نفسها دون أن يضيفوا إلى معاني المقدمة المعروفة معنى جديدا، إلا أنهم انتقلوا نقلة واحدة من وصف الطلل وذكر منازل المحبوبة إلى ذكر الأماكن المقدسة، والتشوق إليها، وقد مرّت معنا أمثلة كثيرة على ذكر المقدسات وتعدادها بالطريقة نفسها التي ذكر فيها القدماء الأطلال، مثل قول البوصيري:

أمن تذكّر جيران بذي سلم ... مزجت دمعا جرى من مقلة بدم

أم هبّت الرّيح من تلقاء كاظمة ... وأومض البرق في الظّلماء من إضم «٢»

وحين ذكر الشعراء الرحلة، ووصفوا الراحلة، لم يخرجوا في قسم كبير من وصفهم عن المعاني التقليدية التي تقال عادة في الحديث عن الرحلة والراحلة، إلا أنهم


(١) ديوان الصرصري: ورقة ١١٧.
(٢) ديوان البوصيري: ص ٢٣٨.

<<  <   >  >>