للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أورد ابن حجة في خزانته أمثلة على الغزل المحتشم والغزل الذي لا يليق بالمدحة النبوية، ويظهر أن هذه المسألة كانت موضع أخذ ورد، يناصر بعض الشعراء والأدباء توجّه ابن حجة، ويعارضه آخرون اقتداء بالشعراء الذين مدحوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حياته، فعبّر النبهاني عن هذا الاختلاف بالرأي في قوله: «أما قصيدة بانت سعاد التي اتخذها دليلا بعض من سلك هذا المسلك، واستحسنه، وهو في نفسه غير حسن، فهي لا تصلح دليلا لذلك، لأن ناظمها كعب بن زهير- رضي الله عنه- كان قبل إسلامه شاعرا جاهليا، فنظمها على طريقتهم قبل أن يجتمع بالنبي صلّى الله عليه وسلّم ويسلم على يديه، ويعرف آداب بالإسلام.. ولم يحصل مثل هذا التشبيب بعد إسلامه، ولا من أحد من شعراء النبي صلّى الله عليه وسلّم» «١» .

ولا يخطّئ النبهاني الشعراء الذين تغزلوا في مقدمات مدحاتهم النبوية تغزلا ماديا، بل يلتمس لهم المعذرة والمسامحة، فيقول: «ولئن أساؤوا من تلك الجهة بعض الإساءة، فقد أحسنوا من جهة مديحهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم كل الإحسان، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «اتبع السيئة الحسنة تمحها» «٢» .

والأرجح أن الغزل في مقدمة المدحة النبوية، ليس مقصودا لذاته، ولا يعبّر عن مشاعر محرّمة عند المادح، ولا يقصد به إثارة غرائز السامعين، وهو لا يعدو مقدمة فنية لإثبات المقدرة الشعرية، وجريا على عادة متأصلة في نفوس الشعراء، وإنما يكون الغزل المحتشم أكثر ملاءمة للموضوع، وجو القصيدة، وجلالة الممدوح، ويبدو أن مقدرة الشاعر الفنية، وتأصّل الاتجاه الشعري عنده، هو الذي يفرض عليه لون الغزل الذي يقدم به للمدحة النبوية، ولا يعقل أن يورد شاعر يمدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قصيدته ما يسيء إليها عامدا متعمّدا، لذلك لم يردّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على غزل كعب، ولم يكره ذلك منه،


(١) المجموعة النبهانية: ١/ ١٤.
(٢) المصدر نفسه ١/ ١٥، والحديث في مسند ابن حنبل: ٥/ ١٥٨.

<<  <   >  >>