للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصعب، وتتطلب مهارة وحنكة، فابن حجر قدّم لإحدى مدائحه النبوية بأبيات هي خليط من الغزل وعتاب النفس، أظهر فيها وجده وهيامه، وعذابه في الحب، فجعل خلاصه من آلام الحب وعذابه في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال:

بيني وبينك في المحبّة نسبة ... فاحفظ عهود تغزّل ونسيب

والله مالي من هواك تخلّص ... إلّا بمدح المصطفى المحبوب «١»

وأظهر الشرف الأنصاري مقدرة ومهارة حين انتهى إلى وصف محاسن محبوبته في مقدمة مدحة نبوية، فجعل التعجب منها مخلصا إلى المدح النبوي، فقال:

غصن نقا حلّ عقد صبري ... بلين خصر يكاد يعقد

فمن رأى ذلك الوشاح الص ... صائم صلّى على محمّد «٢»

فالصلاة على النبي تقال عادة عند رؤية شيء يحوز الإعجاب، فيدعو مشاهده لحفظه وصونه، ويصلّي على النبي. التقط الشاعر هذه العادة، وجعلها مخلصا له من وصف محاسن محبوبته إلى مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

فمظاهر القصيدة المدحية في الشعر العربي جميعها توفرت في شكل قصائد المدح النبوي، وهذا أمر طبيعي، لأن المدائح النبوية ليست من صنع شاعر واحد، وليست من إبداع قطر واحد، وليست من إنتاج زمن واحد، بل هي مما أبدعته قرائح شعراء لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، ومن الأقطار الإسلامية المختلفة، ومن عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى نهاية العصر المملوكي الذي ندرس المدائح النبوية فيه، واستمرت بعد ذلك إلى يومنا هذا، ولذلك كان لا بد من أن يتنوع شكل القصيدة المدحية، وأن تتمثل فيه جميع المظاهر والتطورات التي ألّمت بقصيدة المدح العربية.


(١) المجموعة النبهانية: ١/ ٤٥٨.
(٢) ديوان الشرف الأنصاري: ص ١٤٧.

<<  <   >  >>