للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العشرينيات وهو الوتر، ففعل ذلك ونظم قصائد بعدد حروف الهجاء، ورتبها الترتيب الأبجدي، وزاد على ذلك فبدأ كل بيت من قصائده بحرف القافية، فحصر نفسه بقيود شكلية لا تسمن ولا تغني، ولا تضيف شيئا بديعا إلى الشكل أو المعنى، وكل همّه وهمّ أمثاله من الشعراء، هو إثبات المقدرة على تكوين مثل هذه القصائد، التي جاءت عند الوتري على النحو التالي:

أصلّي صلاة تملأ الأرض والسّما ... على من له أعلى العلا متبوّأ

أقيم مقاما لم يقم فيه مرسل ... وأضحت له حجب الجلال توطّأ «١»

وقال على حرف الباء:

بنور رسول الله أشرقت الدّنا ... ففي نوره كلّ يجيء ويذهب

براه جلال الحق للخلق رحمة ... فكلّ الورى في برّه يتقلّب «٢»

ويظل الشاعر ينتقل من قصيدة إلى قصيدة، يضع معانيه في قوالب دقيقة، رسمها في ذهنه مسبقا، لا يحيد عنها حتى ينهي حروف الهجاء نظما وترتيبا.

ومن الطريف في هذا الباب مدحة نبوية للكندي الدشناوي «٣» ، بدأ كل بيت من أبياتها بحرف من حروف الهجاء مرتبة ترتيبا أبجديا، فقال:

أبيت سوى مدح خير الورى ... فأصبح نظمي وثيق العرا

بروحي صفات تحلّي القريض ... وتسكبه ذهبا أحمرا


(١) الوتري: معدن الإفاضات ص ٦.
(٢) المصدر نفسه: ص ٦.
(٣) الكندي الدشناوي: محمد بن أحمد بن عبد الرحمن، فقيه عالم فاضل، أديب شاعر، نظم فأحسن وكتب فأجاد، أفتى وحدث وأفاد، توفي سنة (٧٢٢ هـ) . الأدفوي: الطالع السعيد ص ٢٦٩.

<<  <   >  >>