للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معجزاته، فأخذ ينظم أحاديثها، والروايات الغيبية الكثيرة حولها، متعرّضا للسيرة، ناظما أبرز أحداثها، في أكثر من أربع مئة بيت، لا نتبين خلالها أي انتقال، أو أي جزء من أجزاء القصيدة، فلا مقدمات ولا انتقال، بل نظم حتى ينتهي إلى الخاتمة، التي يطلب فيها الشفاعة. وبذلك لا يتضح لنا الشكل الشعري للمدحة النبوية، ولا نجد فيها موضوعات مستقلة، بل هي منظومة تقرب من المنظومات التعليمية، التي لا يهتم فيها ناظمها بالشكل الشعري، وكل همّه أن يضع مادته في القالب الشعري لغرض في نفسه، وهو إثبات المقدرة والبراعة، أو تقرير علم من العلوم ليتمكّن الطلبة من استظهاره وحفظه.

وهذا ما أبداه الصرصري أيضا في بعض مدائحه النبوية، وهو الذي عرف مثل البوصيري بشاعريته الفياضة وبمقدرته على تقليب معاني المديح النبوي، وغزارة شعره في هذا الباب. ويبدو أنه أراد ألّا يخلو ديوان مدحه النبوي من مثل هذا اللون من المدح النبوي، الذي صنعه بعض الشعراء ونالوا به شهرة واستحسانا حسب ذوق أدباء ذلك الزمان، فنظم قصيدة أربت على ثماني مئة وخمسين بيتا، وهو عدد لم نعهده في القصائد العربية من قبل.

وقد حاول في هذه القصيدة أن يجمع كل ما قيل في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأن يوضح مذهبه الديني، وبعض العقائد التي تباين موقف المسلمين منها، فأرّخ في هذه القصيدة وروى، وجادل ومدح، وسبّح وتوسل، دون أن يعير الشكل الشعري والتعبير الشعري الاهتمام الكافي إلا في مواضع قليلة، وكان يبدو عليه الحرص على أن ينظم الأحاديث والروايات في أوزان شعرية، ولو بدت نافرة مستعصية على الاندراج في السياق الشعري والخضوع للتعبير الشعري، فبدأها بقوله:

أصبحت أنظم مدح أكرم مرسل ... لهجا به في رايق الأوزان

حبّرت فيه قصيدة أودعتها ... من مسند الأخبار حسن معاني

<<  <   >  >>