للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان التصوف في مراحله الأولى تصوفا إسلاميا محضا، لا يخرج عمّا أتى به الإسلام، وعمّا عرف عن زهد الصحابة والتابعين، ثم أخذ المتصوفة يتسعون في مذهبهم، فأخذوا عن الشيعة بعض عقائدهم، وخاصة التنظيم الهرمي، وفكرة القطب أو الإنسان الكامل أو الحقيقة المحمدية، التي أخذ بها المتصوفة والفرق الإسماعيلية، وظل التصوف يتسع في العقيدة حتى خرج بها أحيانا عن حدود الدين، واستمد بعض الأفكار من الديانات السماوية وغيرها، والفلسفات القديمة، لذلك حاربها كثير من رجال الدين وردوا عليها، فتهكم الشعراء من معتقداتهم الغامضة، وطريقتهم المميزة في التعبير عنها، وقسا بعضهم في مهاجمتهم وانتقاد معتقدات الفرق المتطرفة منهم.

وأصبحت أحوال الصوفية وأعمالهم وأقوالهم مدار حديث الشعراء، وأضحى التصوف أحد مكونات الثقافة في العصر، وخاصة ثقافة الشعراء، وكان للمتصوفة شعراؤهم الذين عبروا عن مذهبهم وأظهروا وجدهم في الذات الإلهية، وشوقهم إلى الصفاء والمقدسات، وكان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكان لائق في شعرهم، يمدحونه على طريقتهم، ويظهرون مكانته في عالمهم، فهم ينسبون أنفسهم إليه، ويدّعون وراثتهم لحقيقته، فقالوا: «الناس ثلاثة، عالم وعابد وعارف صوفي، وكلهم قد أخذوا من الوراثة النبوية ... العالم ورث أقواله ... والعابد ورث أفعاله ... والصوفي ورث الجميع» «١» .

وبرز في المدائح النبوية شعراء متفوقون من المتصوفة، مثل البوصيري الذي عرف بأنه من أتباع الطريقة الشاذلية، فمدائحه النبوية تعبق بالنفحات الصوفية، وبعض مدائحه تبدو أنها نظمت لتنشد في حلقات الذكر مثل قصيدته التي مطلعها:

يا ربّ صلّ على المختار من مضر ... والأنبيا وجميع الرّسل ما ذكروا «٢»


(١) ابن البنا السر قسطي: الفتوحات الإلهية ص ٩٩.
(٢) ديوان البوصيري ص ٢٧٢.

<<  <   >  >>