للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اجتماع أصواتها أو حروفها، وخاصة عند تشابه الكلمات في الوزن والإيقاع أو تجانس فقرتين في عدد الكلمات ووزنها، أو في تجانس الكلمتين الأخيرتين من كل فقرة.

فمبعث الجمال في موسيقا الشعر، يرجع إلى الانسجام الذي يدرك بالسمع، وهذا يؤثر في السامع، فيجتمع تأثير المعنى والصورة مع تأثير الإيقاع الموسيقي في الشعر، فيكون للشعر الوقع المميز في النفس، وهذا يكون على أشده إذا كان الموضوع تهفو إليه النفس، ويحرك مكامن الارتياح فيها، مثل الموضوع الديني ومدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الذي تهفو إليه الأفئدة، وترتاح لذكره القلوب، لذلك كان إنشاد هذا الشعر في مجالس الذكر موقّعا، مشحونا بطاقة موسيقية كبيرة، وربما صاحبته الآلات الموسيقية حين يفتقر إلى الإيقاع الظاهر، ولهذا كان لا بد للشعراء الذين ينظمون هذا الفن الشعري من أن يوجهوا عنايتهم إلى الإيقاع في شعرهم، فكانت أشهر قصائد المدح النبوي هي التي تملك إلى جانب التصرف الجيد في المعاني، طاقات إيقاعية ظاهرة، لا تتأتى من الوزن الشعري الخارجي فقط، وإنما من الإيقاع الداخلي المعتمد على حسن اختيار الألفاظ وترتيبها، وانسجام عناصر القصيدة جميعها، مثل بردة البوصيري وبعض قصائده الآخرى.

وقد حازت الموسيقا في شعر هذا العصر على اهتمام الشعراء، فنوّعوا في طريقة أداء القصائد، وأكثروا من التقطيع والجناس، ليزيدوا من الإيقاع، وعمدوا إلى التخميس والتسبيع وغير ذلك، ليمنحوا قصائدهم طاقة موسيقية زائدة، تلائم الإنشاد والغناء في مجالس ذكرهم، ومحافل أعيادهم.

وأظهر شعراء المدائح النبوية هذا الاهتمام، وأبدوا معرفتهم بالوزن الشعري والعروض، فاستخدموا مصطلحات العروض في تعبيرهم- كما مرّ معنا- ومثل قول النواجي:

واها لتقطيع قلب ظلّ يسبح في ... عروض بحر جفاء ما له سبب «١»


(١) المجموعة النبهانية: ١/ ٢٦٢.

<<  <   >  >>