للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وظن هؤلاء أنهم يمدحون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأفضل ما عندهم، فزادوا في اصطناع بديعهم، حتى اقتربوا من نظم هذه الفنون في مدائحهم النبوية، وقد بدأ اصطناع البديع في المديح النبوي مع رسوخ هذا الفن واستقلاله، وزاد بتقدم الزمن إلى أن أصبح في نهاية العصر المملوكي مقترنا به، وكأن مدح النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يتم إلّا بفنون بديعهم الذي أهدروا فيه طاقاتهم الذهنية، وظلموا في سبيله ملكاتهم الشعرية.

ولا شك أن شعراء المديح النبوي تفاوتوا في احتفالهم للبديع حسب مذهب كل منهم في الشعر، وحسب ترتيبهم الزمني، فنجد شعراء قد أضربوا عن استخدام البديع في شعرهم، فلا نعثر عليه عندهم إلا لماما، وخاصة أولئك الذين كانوا بمعزل عن مركز الحركة الأدبية في الجزيرة العربية أو المغرب العربي، ونجد شعراء آخرين يدرجون بعض فنون البديع في شعرهم دون إكثار أو افتعال، فهم يستخدمونها حين تكون الفرصة مواتية وحين لا تسيء إلى الصياغة أو المعنى، ونجد شعراء غيرهم، كل همّهم حشد البديع حشدا في قصائدهم، دون أن يعيروا صياغتهم أو معانيهم أي اهتمام.

ومن أمثلة الأسلوب الموشى بفنون البديع في المديح النبوي، دون أن يفقد رونقه وانسجامه، قول ابن أبي الفرج الجوزي «١» :

يكفيه أنّ الله جلّ جلاله ... آوى، فقال: (ألم يجدك يتيما)

درّ يتيم في الفخار، وإنّما ... خير اللآلي أن يكون يتيما «٢»


(١) ابن الجوزي: يوسف بن عبد الرحمن بن علي البكري البغدادي، أستدار الخلافة المستعصمية وسفيرها، ولي الحسبة ببغداد، وأنشأ الرسائل الديوانية، وله نظم جيد، توفي سنة (٦٥٦ هـ) . ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب ٥/ ٢٨٧.
(٢) القنوشي: التاج المكلل ص ٢٤٦- الآية أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً، سورة الضحى، آية (٦) .

<<  <   >  >>