للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي مثل هذه الأحوال تكثر الدعوات للإصلاح والتخفيف عن الناس، بطرق شتى، منها الشعر الذي ينتشر بين الناس، ويصل إلى الحكام، والذي يظهر مواطن الخطأ في المجتمع، ويشير إلى طرق تجاوزه باقتضاب، وبإشارات مبطنه، فيلهج به الناس، ويرددونه، ليدفعوا من بيده المقدرة على الإصلاح إلى فعل ذلك.

وعرف الأدباء العرب آنذاك أثر الشعر في النفس الإنسانية، فقال حازم القرطاجني عن الشعر: «من شأنه أن يحبّب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها، ويكرّه إليها ما قصد تكريهه، لتحمل بذلك على طلبه أو الهرب منه، بما يتضمّن من حسن تخييل له، ومحاكاة مستقلة بنفسها، أو متصوّرة بحسن هيئة تأليف الكلام، أو قوة صدقه، أو قوة شهرته، أو بمجموع ذلك» «١» .

ولذلك شبّه الأدباء آنذاك أثر الشعر بأثر السحر، وأطلقوا على بعض الشعر (السحر الحلال) «الذي يلعب بالعقول، ويدع الإعجاب بحسنه يقوم ويقول» «٢» .

«ولأنه يخيّل للإنسان ما لم يكن، للطافته، ولأنه قادر على التأثير والإقناع في الحال ونقيضه من غير مسوّغ واضح» «٣» .

وإلى جانب الشعر نجد الوعظ والخطب على المنابر، والرسائل والكتب التي تحدد المشاكل وتضع لها الحلول، وقد وصلنا من هذا العصر عدد من الرسائل والكتب في هذا الباب، والتي عزا بعض مؤلفيها قيامهم بتأليفها إلى توجيهات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لهم في المنام، فصاحب كتاب (التيسير والاعتبار) قال عن سبب تأليفه لكتابه: «ولمّا رأى العبد الأصغر الفقير في المنام سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والسلام، وقد قلّده أمرا، يفهم من تأويله النصيحة للإسلام والمسلمين.. فأقام العبد منتظرا ما رآه في المنام من وعد


(١) حازم القرطاجني: منهاج البلغاء ص ٧١.
(٢) الصفدي: الغيث المسجم ١/ ٢٨٩.
(٣) ابن الأثير: المثل السائر ١/ ٢٠٦.

<<  <   >  >>