للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففي سنة (٧٨٤ هـ) ، عمل علي بن إيبك الصفدي قصيدة لامية على وزن بانت سعاد، وعرضها على العلماء، فقرّ ظوه، وانتقده أحدهم، فاختلف العلماء في ذلك، إلى أن وصلت إلى السلطان، فكتب مرسوما طويلا، منه:

«بلغنا أن علي بن إيبك «١» مدح النبي صلّى الله عليه وسلّم بقصيدة، وأن علي بن العز «٢» اعترض عليه، وأنكر أمورا منها التوسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، والقدح في عصمته وغير ذلك، وأن العلماء بالديار المصرية، خصوصا أهل مذهبه من الحنفية، أنكروا ذلك، فيتقدم بطلبه وطلب القضاة والعلماء من أهل المذهب، ويعمل ما يقتضيه الشرع من تعزير وغيره» «٣» .

لقد وصل الجدل حول المدائح النبوية إلى السلطان الذي كتب فيه مرسوما للبتّ في هذه المسألة، ووصل الأمر إلى سجن بعض من أنكروا ما جاء في المدائح النبوية، فقد «أحضر ابن العز لمجلس القضاة، فوجد من خطه قوله: حسبي إليه، هذا لا يقال إلا لله، وقوله: اشفع لي، قال: لا تطلب منه الشفاعة، ومنها توسلت بك، فقال: لا يتوسل به، وقوله: المعصوم من الزلل، قال: إلا من زلّة العتاب، وقوله: يا خير خلق الله، الراجح تفضيل الملائكة إلى غير ذلك، فسئل فاعترف، ثم قال: رجعت عن ذلك، وأنا أعتقد غير ما قلت أولا» «٤» .

فهذا العالم أبدى رأيه في هذه المسألة، لكنه خاف، وعاد عن رأيه، ولا ندري إن كان قد اقتنع بالرأي الآخر، أم أنه تراجع خشية البطش به. ويظهر أن القضاة لم يقتنعوا برجوع ابن العز عن رأيه في التوسل برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، «فعقدت له عدة مجالس غيره،


(١) علاء الدين التقصباوي: علي بن إيبك بن عبد الله، شاعر مدح الأكابر وطارح الأدباء، كان أديبا ماهرا بارعا بليغا، توفي سنة (٨٠١ هـ) . السخاوي: الضوء اللامع ٥/ ١٩٤.
(٢) صدر الدين علي بن العز الدمشقي، من الأدباء والعلماء، كان يدرّس في مدارس دمشق، وتولّى عدة وظائف، ثم صرف عنها وسجن سنة (٧٨٤ هـ) . ابن حجر: إنباء الغمر ص ٣٠٢.
(٣) ابن حجر: إنباء الغمر ص ٣٠٢.
(٤) المصدر نفسه ص ٣٠٣.

<<  <   >  >>