للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تحققت في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم البطولة المطلقة والفضيلة الكاملة، ورغبة العرب في المجد والقوة، فهو مثلهم الأعلى في كل مناحي الحياة وقيمها، وهو الذي صنع لهم المجد والسؤدد والسيادة، فلماذا لم تحل شخصيته الفريدة محل الأبطال الأسطوريين في الأدب العربي، مثلما حلّت في نفوس العرب.

لقد ارتاح دارسو الأدب العربي إلى الرأي القائل بخلوه من الملاحم، وأن العرب لم يعرفوا في تاريخهم الطويل بعض الفنون الشعرية التي عرفتها الأمم الآخرى، مثل الشعر الملحمي والشعر المسرحي، وأن شعرهم اقتصر على الشعر الوجداني أو الغنائي، أو الفردي في تسمية أخرى، وأن هذه الفنون لا تتلاءم مع عقلية العرب.

ولكن ألم يظهر عند العرب ما يقرب من هذه الفنون الأدبية أو يشبهها؟

فالشعر الملحمي عند الأمم الآخرى، هو «شعر قصصي بطولي متشعّب، طويل السرد، فيه العظمة والخوارق والأهداف الكبيرة، والآمال الواسعة، والنزعة الإنسانية، والاتجاه القومي، والمجال الرحيب. وهو أقدم الفنون، هدفه الجماعات والأفراد، وتمجيد الأمة، لا نقد المجتمع» «١» .

و «البطل الملحمي هو المثل الأعلى المحتذى، والقائد إلى الظفر الذي تعقد عليه الآمال» «٢» .

نلاحظ من التعاريف المختلفة لفن الشعر الملحمي أنه شعر، وأنه يروي حادثة أو مجموعة حوادث، وأنه يدور حول الحرب والبطولة وتشكّل الأمة، وصراعها مع غيرها، وإثبات وجودها، وأنه يجسد المثل الأعلى للأمة. ألا يوجد في شعرنا العربي ما يشابه ذلك.


(١) غريب، جورج: الشعر الملحمي ص ٥.
(٢) المصدر نفسه ص ٦.

<<  <   >  >>