للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للتأليف، اتسع شيئا فشيئا إلى أن وصل إلى أقصى اتساع له على يد ابن أبي الإصبع، الذي أوصل أنواع البديع إلى التسعين في كتابه (تحرير التحبير) «أصح كتاب ألّف في هذا العلم» «١» .

وعلى الجانب الآخر كان الشعرآء يزدادون ولعا بفنون البديع واصطناعها في شعرهم، إلى أن أدخلوا معها الضّيم على الشعر.

وقد مرّت معنا أمثلة كثيرة على ولع الشعراء بفنون البديع، الذين حرصوا على إيرادها في شعرهم، والإكثار منها، ولا يهمهم بعدها كيف يأتي شعرهم، ومن ذلك قصيدة طويلة لابن سيد الناس في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، هي أقرب للنظم منها إلى الشعر، وزاد في جفافها اصطناع البديع دون توفيق، تكلّف إيراد فنونه تكلّفا، فقال:

لو لم أر الموت عذبا في الغرام بكم ... ما شاقني لحسام البرق تقبيل

ولا بدا الصّبح إلا قال قد سفرت ... سعاد يا كعبها لم أنت متبول

وفي انشقاق أخيه البدر حين بدا ... فرقين واختلفت فيه التّعاليل «٢»

والقصيدة كلها تجري على هذا النحو، والشاعر يظن أنه يأتي بالعجائب، لذلك أطالها إلى أن قاربت مئة وتسعين بيتا، فأين لفظ عنترة وأين موقعه الذي أثمر صورته الجميلة، من تقبيل حسام البرق؟

وأين غزل كعب المتقن وبلاغته من سؤال ابن سيد الناس له؟ وأين معجزة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من هذا التعبير الذي اختلفت فيه التعاليل؟

ومن البديع المتكلف التوراة بأسماء سور القرآن الكريم التي لم تزد التعبير عمقا أو


(١) الحلي: شرح الكافية البديعية ص ٥٣.
(٢) المجموعة النبهانية ٣/ ٦٠.

<<  <   >  >>