للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الصبر والمصابرة ومن الجلد والأخلاق الكريمة ما جعله محط أنظار العرب جميعا، الذين آمنوا برسالته، والذين لم يؤمنوا، ومنحه الله تعالى من مواهبه ما بهر نفوس القوم وأخذ بعقولهم، فلم يختلف إثنان على تقدمته والإشادة بشخصه الكريم، واتجهت إليه قرائح الشعراء، مادحة مثنية، ولم يتح لشعراء المشركين الانتقاص من أخلاقه وقدره، وكل ما فعلوه هو مهاجمة دعوته من منطلق الخوف على الامتيازات والمكانة، والتعصب الأعمى لباطلهم الموروث.

وكان الشعر يحتل في نفوس العرب محلا عظيما، وكان فنهم الأول، فهو عندهم أكثر من وسيلة إعلامية، إنه مستودع أفكارهم ومشاعرهم ومثلهم، فكان لا بد من أن يكون له في شأن الدعوة الإسلامية وجود وأثر.

بيد أن الإسلام أراد للشعر العربي غير ما كان عليه، أراده أداة للبناء لا للهدم وأراده منسجما مع المجتمع الجديد الذي يدعو إليه، فأشيع لذلك أن الإسلام حارب الشعر، ونفرّ الناس منه، وهذا لا يسلم عند التدقيق، فالإسلام استبعد من الشعر ما يثير الضغائن والمفاسد، وما يجانب الحق، وأراد للشعراء أن يحترموا أنفسهم وفنهم، وهذا ما يظهر من الآية الكريمة التي هاجمت الشعراء الذين يزينون الباطل، ويفسدون الذمم والعقول وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا.. «١» .

وهنالك أحاديث شريفة، تنتقص من الشعر الذي يحمل القيم الجاهلية ويدعو إليها، وقد مرّ معنا الحديث الذي يتعلق بالمادحين الكاذبين، وهنالك حديث آخر هو «لئن امتلاء جوف أحدكم قيحا، خير له من أن يمتلئ شعرا» «٢» .


(١) سورة الشعراء، آية ٢٢٤.
(٢) صحيح البخاري: ٧/ ١٠٩، وصحيح مسلم: ٤/ ١٧٦٩.

<<  <   >  >>