للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأنفسهم، حرصا منهم على إيضاح مقاصدهم وخوفا من أن تؤول بعض عباراتها تأويلا لم يذهب إليه الشاعر، فيسيء إليه، أو لرغبة في التأليف عنده. وعدت الشروح آنذاك من ضروب التأليف التي يسعى إليها المؤلفون.

والشروح معروفة في التأليف قبل هذا العصر، لكنها زادت زيادة كبيرة فيه، وشملت مختلف العلوم، فكثرت الشروح والحواشي وما يقرب من ذلك.

وهكذا صارت تطالعنا شروح مختلفة لقصيدة واحدة، مثل قصيدة كعب بن زهير التي استمر شرحها في أوقات مختلفة فما أن ينتهي أحدهم من شرحها هنا حتى يبدأ آخر شرحها هناك، وصارت أسماء الشروح من العناوين البارزة في فهارس الكتب، مثل (شرح قصيدة كعب) و (حاشية على شرح ابن هشام لقصيدة كعب) و (بلوغ المراد على بانت سعاد) و (الجوهر الوقّاد في شرح بانت سعاد) و (كنه المراد في شرح بانت سعاد) وهكذا ...

ومن أمثلة شرح قصيدة كعب الشرح الذي وضعه ابن هشام، والذي مال به إلى اللغة وعلومها، حتى أصبح مما يعتمده المشتغلون باللغة وعلومها، فقد جعل من شرحه لقصيدة كعب كتابا يحوي مسائل اللغة والنحو، ودقائقها، وشرحه يسير على النحو التالي:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيّم إثرها لم يفد مكبول

«قوله: بانت سعاد، معنى بان: فارق، وله مصدران ... ومذهب الكوفيين ...

والتاء حرف تأنيث لا اسم للمؤنث ...

قوله: سعاد، هو علم مرتجل، يريد به امرأة يهواها حقيقة وادعاء ... » «١» .


(١) ابن هشام الأنصاري: شرح قصيدة كعب ص ٤٧.

<<  <   >  >>