للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتلونه ويحفظونه ويتملون بلاغته، ولا يجدون في أنفسهم المقدرة على مجاراته في البلاغة المعجزة والبيان المفحم، أو الانصراف إلى صنوف القول الآخرى.

وتظل مسألة ضعف الشعر مسألة نسبية، تختلف من متتبع لهذا الشعر إلى آخر ولكن الصحيح مما وصلنا لا يؤيد هذه النظرة إلى شعر عصر البعثة.

ومن هنا تأتي مسألة ثانية لا بد من الإشارة إليها، وهي وجود شك في شعر هذا العصر، نبّه عليه النقاد القدامى، وجعل منه النقاد المحدثون معركة نقدية كبيرة لها خطرها، وخاصة الدكتور طه حسين الذي أضاف الشعر الإسلامي إلى الشعر الجاهلي في الشك بصحته، فقال: «ولم تكن العواطف والمنافع الدينية أقل من العواطف والمنافع السياسية أثرا في تكلف الشعر ونحله» «١» .

وقال: «فكان هذا النحل في بعض أطواره يقصد به إلى إثبات صحّة النبوة وصدق النبي» «٢» وأضاف قائلا: «والغرض من هذا النحل- فيما نرجح- إنما هو إرضاء حاجات العامة الذين يريدون المعجزة في كل شيء» «٣» .

وقد شكك ابن هشام «٤» مهذّب السيرة في بعض الشعر الذي ورد فيها، وأرجع ذلك إلى جهل ابن إسحاق «٥» بالشعر، واعتذاره عن ذلك «٦» ولهذا تحرّج كثير من الأدباء


(١) حسين طه: في الأدب الجاهلي ص ١٣٢.
(٢) المصدر نفسه: ص ١٣٣.
(٣) المصدر نفسه: ص ١٣٥.
(٤) ابن هشام: عبد الملك بن هشام البصري النحوي، صاحب المغازي ومهذب السيرة، كان أديبا أخباريا نسابه، سكن مصر وتوفي سنة ٢١٨ هـ، ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب: ٢/ ٤٥.
(٥) ابن إسحاق: محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي صاحب السيرة، سمع الحديث وكان بحرا في العلم ذكيا حافظا أخباريا نسابة، واختلف العلماء في الثقة بحديثه وروايته، توفي سنة (١٥١ هـ) ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب: ١/ ٢٣٠.
(٦) قال ابن سلام في طبقات الشعراء (١/ ٧) : «كان ممن أفسد الشعر وهجنه، وحمل كل غثاء منه، محمد بن إسحاق بن يسار.. وكان من علماء الناس بالسير.. وكان يعتذر منها ويقول: لا علم لي بالشعر، أتينا به، فأحمله» .

<<  <   >  >>