للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لكن وات يشكّ في أنها كانت بالعنف الذي تشير إليه المصادر، وينفي أن تكون (بالشدة) التي يعرفها الناس جيلا بعد جيل.. ويثير الشكّ حول ما يعدّه مبالغة في تصوير الموقف.. ويسعى لوضع لمساته على الوقائع كي تميل أكثر إلى الاعتدال، فهو يقول: «لا شك أن المصادر حين تتحدث عن فتنة المسلمين إنما تشير لمثل أعمال أبي جهل، وهي ليست مع ذلك فتنة قاسية، يتأكد ذلك إذا ما فحصنا بدقة سير ابن هشام والطبري وابن سعد، لأن ما يذكر فيها يتحدّث بلا شك عن أفظع الشواهد. وكل شيء يدعو إلى إقناعنا بأن الاضطهاد كان خفيفا. ومن الممكن أن المبالغة في الاضطهاد نشأت من محاولة نفي تهمة الارتداد عن الدين عن شخص من الأشخاص.

وتشهد الوثائق التي لدينا على مختلف مظاهر المعارضة المذكورة عن ابن إسحاق؛ فقد شتم محمد وتعرض لإهانات بسيطة كان تجمع أوساخ جيرانه أمام منزله، وربما زاد الإزعاج بعد وفاة أبي طالب. ومن الممكن أن يكون انخفاض رأسمال أبي بكر من ٤٠٠٠٠ درهم إلى ٥٠٠٠ بين اعتناق الإسلام والهجرة سببه الضغط الاقتصادي الذي كان يلوح به أبو جهل، وليس شراء العبيد كما يقول ابن سعد؛ لأن ثمن العبد لم يكن يتجاوز ال ٤٠٠ درهم تقريبا، وأشهر الأمثلة على التعذيب الجسدي ما نزل بالعبيد؛ كبلال وعامر بن فهيرة، كذلك رفض العاص بن وائل أن يسدد دينا للخباب بن الأرتّ، ويمكن أن نذكر نوعا رابعا من الاضطهاد؛ وهو الضغط الذي يقوم به الآباء والأعمام والإخوة على أفراد عائلاتهم أو قبائلهم» «١» .

ويخلص (وات) إلى النتيجة التالية: «كان اضطهاد المسلمين إذن خفيفا؛ لأن نظام الحماية في مكة- حماية القبائل لأفرادها- كان يمنع من أن يؤذى المسلم على يد فرد من قبيلة أخرى حتى لو كانت قبيلة المسلم لا تميل إلى


(١) المصدر السابق نفسه، ص ١٩٠- ١٩١.

<<  <   >  >>