للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَأَخْبَرَنِي قَاضِي الْقُضَاةِ صَدْرُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي قاسم التيمى الْحَنَفِيُّ قَالَ:

أَخْبَرَنِي وَالِدِي، وَهُوَ الشَّيْخُ صِفِيُّ الدين أحد مدرسى بُصَرَى، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَعْرَابِ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مَنْ كَانَ بِحَاضِرَةِ بَلَدِ بُصَرَى، أَنَّهُمْ رَأَوْا صَفَحَاتِ أَعْنَاقِ إِبِلِهِمْ فِي ضَوْءِ هَذِهِ النَّارِ الَّتِي ظَهَرَتْ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَنَّ أهل المدينة لجأوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ إِلَى الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَتَابُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ ذُنُوبٍ كَانُوا عَلَيْهَا، وَاسْتَغْفَرُوا عند قبر النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا سَلَفَ مِنْهُمْ وأعتقوا الغلمان، وتصدقوا على فقرائهم ومجاريحهم وَقَدْ قَالَ قَائِلُهُمْ فِي ذَلِكَ:

يَا كَاشِفَ الضر صفحا عن جرائمنا ... فقد أَحَاطَتْ بِنَا يَا رَبِّ بَأْسَاءُ

نَشْكُو إِلَيْكَ خُطُوبًا لَا نُطِيقُ لَهَا ... حَمْلًا وَنَحْنُ بِهَا حقا أحقاء

زلازل تخشع الصم الصلاد لها ... وكيف تقوى على الزلزال صماء

أَقَامَ سَبْعًا يَرُجُّ الْأَرْضَ فَانْصَدَعَتْ ... عَنْ مَنْظَرٍ مِنْهُ عَيْنُ الشَّمْسِ عَشْوَاءُ «١»

بَحْرٌ مِنَ النَّارِ تَجْرِي فَوْقَهُ سُفُنٌ ... مِنَ الْهِضَابِ لَهَا فِي الأرض إرساء

يرى لها شرر كالقصر «٢» طايشة ... كَأَنَّهَا دِيمَةٌ تَنْصِبُّ هَطْلَاءُ»

تَنْشَقُّ مِنْهَا قُلُوبُ الصَّخْرِ إِنْ زَفَرَتْ ... رُعْبًا وَتَرْعُدُ مِثْلَ الشُّهُبِ أَضْوَاءُ

مِنْهَا تَكَاثَفَ فِي الْجَوِّ الدُّخَانُ إِلَى ... أَنْ عَادَتِ الشَّمْسُ مِنْهُ وَهِيَ دَهْمَاءُ «٤»

قَدْ أَثَّرَتْ سعفة فِي الْبَدْرِ لَفْحَتُهَا ... فَلَيْلَةُ التِّمَّ بَعْدَ النُّورِ ليلاء «٥»


(١) العشواء: المظلمة، وناقة عشواء: لا تبصر أمامها.
(٢) القصر: المطب الغليظ العظيم.
(٣) هطلاء: ممطرة.
(٤) الدهماء: المسودة.
(٥) ليلاء: مظلمة شديدة السواد.

<<  <   >  >>