للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولدتيه فسميه محمدا أو النبى، شَأْنَكِ. قَالَ: وَكَانَتْ تُحَدِّثُ عَنْ نَفْسِهَا وَتَقُولُ: لَقَدْ أَخَذَنِي مَا يَأْخُذُ النِّسَاءَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِي أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ، ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَى، وَإِنِّي لِوَحِيدَةٌ فِي الْمَنْزِلِ وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي طَوَافِهِ، قَالَتْ: فَسَمِعْتُ وَجْبَةً شَدِيدَةً، وَأَمْرًا عَظِيمًا، فهالنى ذلك، وذلك يوم الإثنين، ورأيت كَأَنَّ جَنَاحَ طَيْرٍ أَبْيَضَ قَدْ مُسِحَ عَلَى فؤادى فذهب كل رعب وكل فزع ووجل كُنْتُ أَجِدُ، ثُمَّ الْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِشَرْبَةٍ بيضاء ظنتها لبنا، وكنت عطشانة، فتناولتها فشربتها فأصابنى نُورٌ عَالٍ، ثُمَّ رَأَيْتُ نِسْوَةً كَالنَّخْلِ الطِّوَالِ، كَأَنَّهُنَّ مِنْ بَنَاتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يُحْدِقْنَ بِي، فبينا أنا أعجب وأقول: واغوثاه مِنْ أَيْنَ عَلِمْنَ بِي؟

وَاشْتَدَّ بِيَ الْأَمْرُ وَأَنَا أَسْمَعُ الْوَجْبَةَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ أَعْظَمَ وَأَهْوَلَ، وَإِذَا أَنَا بِدِيبَاجٍ أَبْيَضَ قَدْ مُدَّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ: خُذُوهُ عن أعين الناس، قالت: رأيت رجالا وَقَفُوا فِي الْهَوَاءِ بِأَيْدِيهِمْ أَبَارِيقُ فِضَّةٍ وَأَنَا يَرْشَحُ مِنِّي عَرَقٌ كَالْجُمَانِ، أَطْيَبُ رِيحًا مِنَ المسك الأزفر، وَأَنَا أَقُولُ: يَا لَيْتَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَدْ دخل على، قَالَتْ: وَرَأَيْتُ قِطْعَةً مِنَ الطَّيْرِ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ حَيْثُ لَا أَشْعُرُ حَتَّى غَطَّتْ حُجْرَتِي، مَنَاقِيرُهَا مِنَ الزُّمُرُّدِ، وَأَجْنِحَتُهَا مِنَ الْيَوَاقِيتِ، فَكَشَفَ الله لى عن بصيرتى، فَأَبْصَرْتُ مِنْ سَاعَتِي مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَرَأَيْتُ ثلاث علامات مَضْرُوبَاتٍ، عَلَمٌ بِالْمَشْرِقِ، وَعَلَمٌ بِالْمَغْرِبِ، وَعَلَمٌ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، فَأَخَذَنِي الْمَخَاضُ وَاشْتَدَّ بِيَ الطَّلْقُ جدا، فكنت كأنى مسندة إلى أركان النساء، وكثرن على حتى كأنى مع الْبَيْتِ وَأَنَا لَا أَرَى شَيْئًا، فَوَلَدْتُ مُحَمَّدًا، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ بَطْنِي دُرْتُ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فإذا هو سَاجِدٌ وَقَدْ رَفَعَ أُصْبُعَيْهِ كَالْمُتَضَرِّعِ الْمُبْتَهِلِ، ثُمَّ رَأَيْتُ سَحَابَةً بَيْضَاءَ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ تَنْزِلُ حَتَّى غَشِيَتْهُ، فَغُيِّبَ عَنْ عَيْنِي، فَسَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي يَقُولُ: طُوفُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْقَ الْأَرْضِ وَغَرْبَهَا، وَأَدْخِلُوهُ الْبِحَارَ كُلَّهَا، لِيَعْرِفُوهُ بِاسْمِهِ وَنَعْتِهِ وَصُورَتِهِ، وَيَعْلَمُوا أَنَّهُ سُمِّيَ الْمَاحِي، لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنَ الشِّرْكِ إلا محى به، قالت: ثم تخلوا عَنْهُ فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ فَإِذَا أَنَا بِهِ مدرج فِي ثَوْبِ صُوفٍ أَبْيَضَ، أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَتَحْتَهُ حَرِيرَةٌ خَضْرَاءُ، وَقَدْ قَبَضَ مُحَمَّدٌ ثلاثة مفاتيح

<<  <   >  >>