للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١١٨١ م. ونشأ في كنف والده في عفاف وصيانة وزهد. تفقّه على المذهب الشافعي، وأخذ الحديث عن الحافظ ابن عساكر. ثم مال إلى التصوف فاعتزل الناس، وانفرد في جبل المقطم بوادي المستضعفين للعبادة والتأمل والتجرد. وبعد وفاة والده قصد مكة المكرمة وأقام فيها مجاورا نحوا من خمس عشرة سنة نضجت خلالها شاعريته، وكملت مواهبه الروحية. ولما عاد إلى مصر احتفل به الأهالي احتفالا عظيما حتى قيل إن الملك الكامل الأيوبي نفسه كان ينزل لزيارته بقاعة الخطابة في الجامع الأزهر حيث كان يؤمه الأئمة والخاص والعام لينهلوا من علمه ويغرفوا من فيض محبته للذات الإلهية وللرسول الأعظم. وتجدر الإشارة إلى أن ابن الفارض قد غلب عليه لقب سلطان العاشقين والمحبين. توفي بالقاهرة في جمادى الأولى عام ٦٣٢ هـ/ ١٢٣٥ م ودفن في سفح جبل المقطم. له ديوان شعر لطيف، بأسلوب رائق؛ لذلك يعتبر من أشهر الدواوين بالرغم من صغره. وأهم ما في هذا الديوان القصيدة الخمرية والتائية الكبرى «نظم السلوك» التي ضمنها تجاربه الروحية، والتي اعتنى بشرحها العشرات من الأدباء والمفكرين.

ويضم هذا الديوان عدة مدائح نبوية جاء في إحداها [من الكامل] : ماله أجمل من الجمال اليوسفى]

«دع عنك تعنيفي وذق طعم الهوى ... فإذا عشقت فبعد ذلك عنّف

برح الخفاء بحبّ من لو، في الدّجى ... سفر اللّثام، لقلت: يا بدر اختف «١»

وإن اكتفى غيري بطيف خياله ... فأنا الذي بوصاله لا أكتفي

وقفا عليه محبتي ولمحنتي ... بأقلّ من تلفي به لا أشتفي

وهواه وهو أليّتي وكفى به ... قسما أكاد أجلّه كالمصحف «٢»

لو قال تيها: قف على جمر الغضا ... لوقفت ممتثلا ولم أتوقّف «٣»

أو كان من يرضى بخدّي موطئا ... لوضعته أرضا ولم استنكف

لا تنكروا شغفي بما يرضى وإن ... هو بالوصال عليّ لم يتعطّف


(١) سفر اللثام: كشف القناع.
(٢) أليتي: قسمي.
(٣) الغضا: نوع من الشجر.

<<  <   >  >>