للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«ألا أبلغ أبا سفيان عنّي ... مغلغلة فقد برح الخفاء

هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء»

ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى فتح مكة لقيه أبو سفيان، فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فأشار عليه علي بن أبي طالب (ض) أن يأتيه من قبل وجهه ويقول له ما قال إخوة يوسف، فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه جوابا. وبالفعل فإن أبا سفيان واجه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ [يوسف/ ٩١] . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف/ ٩٢] .

وهكذا فقد أسلم أبو سفيان عام الفتح، في السنة الثامنة من الهجرة، وحسن إسلامه حتى أنه ما رفع رأسه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حياء منه. وخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وحنين ولما انهزم المسلمون يوم حنين كان أبو سفيان أحد السبعة الذين ثبتوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى رجع إليهم المسلمون، وكانت النصرة لهم. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحبه كثيرا ويقول: «إني لأرجو أن يكون فيه خلف من حمزة بن عبد المطلب» . وشهد له بالجنة.

ولما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم بكاه أبو سفيان كثيرا ورثاه فقال [من الوافر] :

«أرقت فبات ليلي لا يزول ... وليل أخي المصيبة فيه طول

وأسعدني البكاء وذاك فيما ... أصيب المسلمون به قليل

لقد عظمت مصيبتنا وجلّت ... عشيّة قيل قد قبض الرسول

وأضحت أرضنا مما عراها ... تكاد بنا جوانبها تميل

فقدنا الوحي والتنزيل فينا ... يروح به ويغدو جبرئيل

وذاك أحقّ ما سالت عليه ... نفوس الناس أو كربت تسيل

نبيّ كان يجلو الشّكّ عنّا ... بما يوحى إليه وما يقول

ويهدينا فلا نخش ضلالا ... علينا والرسول لنا دليل

أفاطم إن جزعت فذاك عذر ... وإن لم تجزعي ذاك السبيل

فقبر أبيك سيد كلّ قبر ... وفيه سيد الناس الرسول»

<<  <   >  >>