للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِمِنْبَرٍ، فَوُضِعَ فِي الْمَسْجِدِ يُنْشِدُ عَلَيْهِ حَسّانُ، وَقَالَ: إنّ اللهَ لَيُؤَيّدُ حَسّانَ بِرُوحِ الْقُدُسِ مَا دَافَعَ عَنْ نَبِيّهِ.

وَسُرّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ وَالْمُسْلِمُونَ بِمَقَامِ ثَابِتٍ وَشِعْرِ حَسّانَ. وَخَلَا الْوَفْدُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ، فَقَالَ قَائِلٌ: تَعْلَمُنّ وَاَللهِ أَنّ هَذَا الرّجُلَ مُؤَيّدٌ مَصْنُوعٌ لَهُ، وَاَللهِ لَخَطِيبُهُ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا، وَلَشَاعِرُهُمْ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا، * وَلَهُمْ أَحْلَمُ مِنّا! وَكَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ أَجْهَرِ النّاسِ صَوْتًا. وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيّهِ فِي رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ- التّمِيمِيّينَ- وَيُذْكَرُ أَنّهُمْ نَادَوْا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ فَقَالَ:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [ (١) ] إلَى قَوْلِهِ:

أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، يَعْنِي تَمِيمًا حِينَ نَادَوْا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَكَانَ ثَابِتٌ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ عِنْدَ النّبِيّ صَلَّى الله عليه وسلّم، فَرَدّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم السّبْيَ وَالْأَسْرَى.

وَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ يَوْمَئِذٍ يَهْجُو قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ، كَانَا جَمِيعًا فِي الْوَفْدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ لَهُمْ بِجَوَائِزَ، وَكَانَ يُجِيزُ الوفد إذا قدموا عَلَيْهِ وَيُفَضّلُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَطِيّةِ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى، فَلَمّا أَجَازَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هَلْ بَقِيَ مِنْكُمْ مَنْ لَمْ نُجِزْهُ؟

قَالُوا: غُلَامٌ فِي الرّحْلِ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَرْسِلُوهُ نُجِزْهُ! فَقَالَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ: إنّهُ غُلَامٌ لَا شَرَفَ لَهُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنْ كَانَ! فَإِنّهُ وَافِدٌ وَلَهُ حَقّ!

فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ شِعْرًا يُرِيدُ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ:

ظَلِلْت مُفْتَرِشًا هَلْبَاك [ (٢) ] تَشْتُمُنِي ... عِنْدَ الرّسُولِ فَلَمْ تَصْدُقْ وَلَمْ تصب


[ (١) ] سورة ٤٩ الحجرات ٢.
[ (٢) ] الهلب والهلباء: شعر الذنب فاستعاره هنا للإنسان. (شرح أبى ذر، ص ٤٣٥) .