للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنّ ما أخطأك.. لم يكن ليصيبك، وما أصابك.. لم يكن ليخطئك، ...

وخفيّ لطفه؛

كما أخبر تعالى عن يونس عليه الصلاة والسلام بقوله فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) [الصافات] يعني: قبل البلاء، فلما عرف الله تعالى في الرّخاء بالتسبيح وغيره؛ نجّاه من بطن الحوت.

وكما وقع للثلاثه الذين انطبقت عليهم الصخرة؛ ففرج الله عنهم، فإنهم تعرّفوا إليه في الرخاء فعرفهم في الشدّة، بخلاف فرعون فإنّه لما تنكّر لربّه في حال رخائه؛ لم ينجه اللجوء عند بلائه، وقيل له آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) [يونس] .

وأمّا أهل الله فتعرّفهم الاشتغال به على الدوام وترك ما سواه؛ فيعرفهم وقت الموت، والقبر، والقيامة، وغيرها. قال الصوفية: ينبغي للعبد أن يكون بينه وبين ربّه معرفة خاصّة بقلبه بحيث يجده قريبا للاستغناء له منه، فيأنس به في خلوته، ويجد حلاوة ذكره ودعائه ومناجاته وخدمته، ولا يزال العبد يقع في شدائد وكرب في الدنيا، والبرزخ، والموقف؛ فإذا كان بينه وبين ربّه معرفة خاصّة كفاه ذلك كلّه. انتهى من «شروح الجامع الصغير» .

(واعلم) : يا من يتأتّى منك العلم (أنّ ما أخطأك) من المقادير؛ أي:

جاوزك فلم يصل إليك (لم يكن ليصيبك) لأنّه بان بكونه أخطأك أنّه غير مقدّر عليك، (وما أصابك) منها (لم يكن) قدّر (ليخطئك) ؛ أي: محال أن يتجاوزك إلى غيرك؛ إذ لا يصيب الإنسان إلّا ما قدّر عليه.

ومعنى ذلك: أنّه قد فرغ ممّا أصابك، أو أخطأك من خير أو شرّ، فما أصابك فإصابته لك محتومة لا يمكن أن يخطئك، وما أخطأك فسلامتك منه محتومة؛ فلا يمكن أن يصيبك، لأنّها سهام صائبة وجّهت من الأزل، فلا بدّ أن تقع مواقعها،

<<  <  ج: ص:  >  >>