للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.........

وخصّ الإظهار بحالة كون آدم بين الروح والجسد!! لأنّه أوان دخول الأرواح إلى عالم الأجساد، والتمايز حينئذ أتمّ وأظهر فاختصّ صلّى الله عليه وسلم بزيادة إظهار شرفه حينئذ، ليتميّز على غيره تميّز أظهر وأتمّ.

وأجاب الغزالي في بعض كتبه عن وصف نفسه بالنبوة قبل وجود ذاته، وخبر «أنا أوّل الأنبياء خلقا وآخرهم بعثا» : بأن المراد بالخلق هنا التقدير، لا الإيجاد، فإنه قبل أن تحمل به أمّه لم يكن مخلوقا موجودا، ولكن الغايات والكمالات سابقة في التقدير؛ لا حقة في الوجود. فقوله: «كنت نبيّا» - أي: في التقدير- قبل تمام خلقة آدم. إذ لم ينشأ إلّا لينتزع من ذريّته محمد صلّى الله عليه وسلم. وتحقيقه أنّ للدار في ذهن المهندسين وجودا ذهنيّا؛ سببا للوجود الخارجي وسابقا عليه، فالله تعالى يقدّر ثم يوجد على وفق التقدير ثانيا. انتهى.

وذهب السبكي إلى ما هو أحسن وأبين؛ وهو أنّه جاء: «إنّ الأرواح خلقت قبل الأجساد» . والإشارة ب «كنت نبيّا» إلى روحه الشريفة، أو حقيقة من حقائقه لا يعلمها إلّا الله تعالى، ومن حباه بالاطلاع عليها.

ثم إنّ الله تعالى يؤتي كلّ حقيقة منها ما شاء؛ في أيّ وقت شاء، فحقيقته صلّى الله عليه وسلم قد تكون من قبل خلق آدم آتاها الله ذلك الوصف بأن خلقها متهيئة له؛ وأفاضه عليه فصار نبيا، وكتب اسمه على العرش ليعلم ملائكته وغيرهم كرامته عنده، فحقيقته موجودة من ذلك الوقت؛ وإن تأخّر جسده الشريف المتّصف بها؛ فحينئذ فإيتاؤه النبوة والحكمة وسائر أوصاف حقيقته وكمالاته معجّل لا تأخير فيه، وإنما المتأخّر تكوّنه وتنقّله في الأصلاب والأرحام الطاهرة إلى أن ظهر صلّى الله عليه وسلم. ومن فسّر ب (علم الله تعالى أنّه سيصير نبيّا) !! لم يصل لهذا المعنى، لأن علمه تعالى محيط بجميع الأشياء، فالوصف بالنبوة في ذلك الوقت ينبغي أن يفهم منه أنّه أمر ثابت له، وإلّا لم يختصّ بأنه نبيّ حينئذ، إذ الأنبياء كلّهم كذلك بالنسبة لعلمه تعالى.

وقال العماد ابن كثير؛ في تفسير قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) الآية [٨١/ آل عمران] :

<<  <  ج: ص:  >  >>