للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يرزقون، فلا يبعد أن يحجوا ويصلوا، أو نقول: إن البرزخ ينسحب عليه حكم الدنيا فى استكثارهم من الأعمال وزيادة الأجور، وأن المنقطع فى الآخرة إنما هو التكليف، وقد تحصل الأعمال من غير تكليف على سبيل التلذذ بها، ولهذا ورد أنهم يسبحون ويقرؤن القرآن، ومن هذا سجود النبى- صلى الله عليه وسلم- وقت الشفاعة.

وقد قال صاحب «التلخيص» : إن ماله- صلى الله عليه وسلم- بعد موته قائم على نفقته وملكه، وعده من خصائصه. ونقل إمام الحرمين عنه أن ما خلفه بقى على ما كان فى حياته، فكان ينفق منه أبو بكر على أهله وخدمه، وكان يرى أنه باق على ملك النبى- صلى الله عليه وسلم-. فإن الأنبياء أحياء، وهذا يقتضى إثبات الحياة فى أحكام الدنيا، وذلك زائد على حياة الشهيد.

والذى صرح به النووى: زوال ملكه- صلى الله عليه وسلم- وأن ما تركه صدقة على جميع المسلمين لا يختص به ورثته. فإن قلت: القرآن ناطق بموته- صلى الله عليه وسلم-، قال الله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ «١» وقال- صلى الله عليه وسلم-: «إنى امرؤ مقبوض» «٢» وقال الصديق: فإن محمدا قد مات، وأجمع المسلمون على إطلاق ذلك.

فأجاب الشيخ تقى الدين السبكى، بأن ذلك الموت غير مستمر، وأنه- صلى الله عليه وسلم- أحيى بعد الموت، ويكون انتقال الملك ونحوه مشروطا بالموت المستمر، وإلا فالحياة الثانية حياة أخروية، ولا شك أنها أعلى وأكمل من حياة الشهداء، وهى ثابتة للروح بلا إشكال، وقد ثبت أن أجساد الأنبياء لا تبلى، وعود الروح إلى الجسد ثابت فى الصحيح لسائر الموتى فضلا عن الشهداء، فضلا عن الأنبياء، وإنما النظر فى استمرارها فى البدن، وفى أن البدن يصير حيّا كحالته فى الدنيا، أو حيّا بدونها، وهى حيث شاء الله تعالى، فإن ملازمة الروح للحياة أمر عادى لا عقلى، فهذا مما يجوزه العقل، فإن صح به سمع اتبع، وقد ذكره جماعة من العلماء.


(١) سورة الزمر: ٣٠.
(٢) إسناده ضعيف: ذكره الهيثمى فى «المجمع» (٤/ ٢٢٣) عن ابن مسعود وقال: رواه أبو يعلى والبزار وفى إسناده من لم أعرفه.