للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى شىء من تحريم وتحليل إلا بما كان يحكم به نبينا- صلى الله عليه وسلم-، ولا يحكم بشريعته التى أنزلت عليه فى أوان رسالته ودولته، فهو- عليه السّلام- تابع لنبينا- صلى الله عليه وسلم-. وقد نبه على ذلك الترمذى الحكيم فى كتاب ختم الأولياء، وأعرب عنه صاحب «عنقاء مغرب» «١» ، وكذا الشيخ سعد الدين التفتازانى فى شرح عقائد النسفى وصحح أنه يصلى بالناس ويؤمهم ويقتدى به المهدى لأنه أفضل منه، فإمامته أولى. انتهى.

فهو- عليه الصلاة والسلام- وإن كان خليفة فى الأمة المحمدية، فهو رسول ونبى كريم على حاله، لا كما يظن بعض الناس أنه يأتى واحدا من هذه الأمة، نعم هو واحد من هذه الأمة لما ذكر من وجوب اتباعه لنبينا- صلى الله عليه وسلم- والحكم بشريعته.

فإن قلت: قد ورد فى صحيح مسلم قوله- صلى الله عليه وسلم-: «ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية» «٢» وأن الصواب فى معناه: أنه لا يقبل الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام أو القتل، وهذا خلاف ما هو حكم الشرع اليوم، فإن الكتابى إذا بذل الجزية وجب قبولها ولم يجز قتله ولا إكراهه على الإسلام، وإذا كان كذلك، فكيف يكون عيسى- عليه السّلام- حاكما بشريعة نبينا- صلى الله عليه وسلم-؟

فالجواب: أنه لا خلاف أن عيسى- عليه السّلام- إنما ينزل حاكما بهذه الشريعة المحمدية ولا ينزل نبيّا برسالة مستقلة وشريعة ناسخة، بل هو حاكم من حكام هذه الأمة.

وأما حكم الجزية وما يتعلق بها فليس حكما مستمرّا إلى يوم القيامة،


(١) هو كتاب «عنقاء مغرب فى معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب» للشيخ محيى الدين محمد بن على، المعروف بابن عربى، الضال المعروف.
(٢) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (٢٢٢٢) فى البيوع، باب: قتل الخنزير، ومسلم (١٥٥) فى الإيمان، باب: نزول عيسى ابن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم-، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.