للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ «١» ، وقد علم الله تعالى أنه لا يشرك قط، ولكنه خرج هذا الكلام على سبيل التقدير والفرض، وقال تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ «٢» وقال فى الملائكة: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ «٣» مع أنه تعالى أخبر عنهم بأنهم لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ «٤» وبأنهم يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ «٥» ، فكل ذلك خرج على سبيل الفرض والتقدير. وإذا نزلت هذه الآية على أن الله تعالى لما أوجب على جميع الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- لو كانوا فى الأحياء، وأنهم لو تركوا ذلك لكانوا فى زمرة الفاسقين، فلأن يكون الإيمان بمحمد- صلى الله عليه وسلم- واجبا على أممهم من باب أولى. فكان صرف هذا الميثاق إلى الأنبياء أقوى فى تحصيل المقصود.

وقال السبكى فى هذه الآية: إنه- صلى الله عليه وسلم- على تقدير مجيئهم فى زمانه يكون مرسلا إليهم. فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق، من زمن آدم إلى يوم القيامة، وتكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته، ويكون قوله- صلى الله عليه وسلم-:

«وبعثت إلى الناس كافة» لا يختص به الناس فى زمانه إلى يوم القيامة، بل يتناول من قبلهم أيضا، وإنما أخذ له المواثيق على الأنبياء ليعلموا أنه المتقدم عليهم، وأنه نبيهم ورسولهم. وفى أخذ المواثيق- وهى فى معنى الاستحلاف، ولذلك دخلت «لام» القسم فى لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ «٦» لطيفة: وهى كأنها أيمان البيعة التى تؤخذ للخلفاء، ولعل أيمان الخلفاء أخذت من هنا.

فانظر إلى هذا التعظيم العظيم للنبى- صلى الله عليه وسلم- من ربه تعالى، فإذا عرف


(١) سورة الزمر: ٦٥.
(٢) سورة الحاقة: ٤٤- ٤٦.
(٣) سورة الأنبياء: ٢٩.
(٤) سورة الأنبياء: ٢٧.
(٥) سورة النحل: ٥٠.
(٦) سورة آل عمران: ٨١.