للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمراد: كونه هاديا مبينا كالسراج الذى يرى الطريق ويبين الهدى والرشاد، فبيانه أقوى وأتم وأنفع من نور الشمس، وإذا كان كذلك وجب أن تكون نفسه القدسية أعظم فى النورانية من الشمس، فكما أن الشمس فى عالم الأجسام تفيد النور لغيرها ولا تستفيد من غيرها فكذا نفس النبى- صلى الله عليه وسلم- تفيد الأنوار العقلية لسائر الأنفس البشرية، ولذلك وصف الله الشمس بأنها سراج حيث قال: وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً «١» .

وكما وصف الله رسوله بأنه نور، وصف نفسه المقدسة بذلك فقال:

اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «٢» ، فليس فيهما نور إلا الله، ونوره القدسى هو سر الوجود والحياة والجمال والكمال، وهو الذى أشرق على العالم فأشرق على العوالم الروحانية، وهم الملائكة، فصارت سرجا منيره، يستمد منها من هو دونها بجود الله تعالى، ثم سرى النور إلى عالم النفوس الإنسانية، ثم طرحته النفوس على صفحات الجسوم، فليس فى الوجود إلا نور الله السارى إلى الشىء منه بقدر قبوله ووسع استعداده ورحب تلقيه.

والنور فى الأصل: كيفية يدركها الباصر أولا، وبواسطتها سائر المبصرات، كالكيفية الفائضة من النيرين- الشمس والقمر- على الأجرام الكثيفة المحاذية لهما، وهو بهذا المعنى لا يصح إطلاقه على الله تعالى إلا بتقدير مضاف، كقولك: زيد كرم، بمعنى: ذو كرم، أو معنى منور السماوات والأرض، فإنه تعالى نورهما بالكواكب، وما يفيض عنها من الأنوار، وبالملائكة والأنبياء من قولهم للرئيس الفائق فى التدبير: نور القوم، لأنهم يهتدون به فى الأمور، ويؤيد هذا القول قراءة على بن أبى طالب وزيد بن


(١) سورة الفرقان: ٦١.
(٢) سورة النور: ٣٥.