للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى شىء منها لم تكن طاعته طاعة الله تعالى، وأيضا وجب أن يكون معصوما فى جميع أفعاله، لأنه تعالى أمر بمتابعته فى قوله: وَاتَّبِعُوهُ»

، والمتابعة عبارة عن الإتيان بمثل فعل الغير، فثبت أن الانقياد له فى جميع أقواله وأفعاله إلا ما خصه الدليل طاعة له، وانقياد لحكم الله تعالى. وقال الله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ «٢» الآية. وهذا عام فى المطيعين لله من أصحاب الرسول ومن بعدهم، وعام فى المعية فى هذه الدار، وإن فاتت فيها معية الأبدان.

وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآية أن ثوبان، مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان شديد الحب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- قليل الصبر عنه، فأتاه يوما وقد تغير وجهه ونحل جسمه، وعرف الحزن فى وجهه، فسأله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن حاله فقال: يا رسول الله، ما بى وجع، غير أنى إذا لم أرك اشتقتك واستوحشت وحشة عظيمة حتى ألقاك، فذكرت الآخرة بحيث لا أراك هناك، لأنى إذا دخلت الجنة فأنت تكون فى درجات النبيين، وإن أنا لم أدخل الجنة فحينئذ لا أراك أبدا، فنزلت هذه الآية.

وذكر ابن أبى حاتم عن أبى الضحى عن مسروق، قال أصحاب محمد: يا رسول الله ما ينبغى لنا أن نفارقك، فإنك لو قد متّ لرفعت فوقنا ولم نرك، فأنزل الله الآية. وذكر عن عكرمة مرسلا، قال: أتى فتى النبى- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن لنا منك نظرة فى الدنيا ويوم القيامة لا نراك لأنك فى الجنة فى الدرجات العلى، فأنزل الله هذه الآية فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنت معى فى الجنة» . وذكر فيها أيضا روايات أخر ستأتى- إن شاء الله تعالى- فى مقصد محبته- صلى الله عليه وسلم-.

لكن قال المحققون: لا ننكر صحة هذه الروايات، إلا أن سبب نزول


(١) سورة الأعراف: ١٥٨.
(٢) سورة النساء: ٦٩.