للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى: كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ «١» لأنه للعموم، فلا ينبغى أن يجهر المؤمن للنبى- صلى الله عليه وسلم- كما يجهر العبد للسيد، وإلا كان قد جهر له كما يجهر بعضكم لبعض.

قال: ويؤيد ما ذكرناه قوله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «٢» ، والسيد ليس أولى عند عبده من نفسه، حتى لو كانا فى مخمصة ووجد العبد ما لو لم يأكله لمات لا يجب عليه بذله لسيده، ويجب البذل للنبى- صلى الله عليه وسلم-، ولو علم العبد أن بموته ينجو سيده لا يلزمه أن يلقى نفسه فى التهلكة لإنجاء سيده، ويجب لإنجاء النبى- صلى الله عليه وسلم-، فكما أن العضو الرئيس أول بالرعاية من غيره، لأن عند خلل القلب مثلا لا يبقى لليدين والرجلين استقامة، فلو حفظ الإنسان نفسه وترك النبى- صلى الله عليه وسلم- لهلك هو أيضا بخلاف العبد والسيد. انتهى. وإذا كان رفع الأصوات فوق صوته موجبا لحبوط الأعمال فما الظن برفع الآراء ونتائج الأفكار على سنته وما جاء به.

واعلم أن فى الرفع والجهر استخفافا قد يؤدى إلى الكفر المحبط، وذلك إذا انضم إليه قصد الإهانة وعدم المبالاة. وروى أن أبا بكر- رضى الله عنه-، لما نزلت هذه الآية قال: والله يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخى السرار، وأن عمر- رضى الله عنه- كان إذا حدثه حدّثه كأخى السرار ما كان يسمع النبى- صلى الله عليه وسلم- بعد هذه الآية حتى يستفهمه «٣» .

وقد روى أن أبا جعفر أمير المؤمنين ناظر مالكا فى مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا ترفع صوتك فى هذا المسجد، فإن الله عز وجل أدب قوما فقال: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ «٤» ومدح قوما فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ «٥» ، وذم قوما فقال: إِنَ


(١) سورة الحجرات: ٢.
(٢) سورة الأحزاب: ٦.
(٣) تقدم
(٤) سورة الحجرات: ٢.
(٥) سورة الحجرات: ٣.