للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيقظنى إلا مسّ الشمس، ثم قلت ليلة أخرى مثل ذلك فضرب الله على أذنى فما أيقظنى إلا مسّ الشمس، ثم ما هممت بعدهما بسوء حتى أكرمنى الله برسالته» «١» .

وأما قوله تعالى: وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ «٢» .

فقد احتج بها جماعة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين المجوزين للصغائر على الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- وبظواهر كثيرة من القرآن والحديث، إن التزموا ظواهرها أفضت بهم- كما قال القاضى عياض- إلى تجويز الكبائر، وخرق الإجماع، وما لا يقول به مسلم، فكيف وكلما احتجوا به منها مما اختلف المفسرون فى معناه، وتقابلت الاحتمالات فى مقتضاه.

وجاءت الأقاويل فيها للسلف بخلاف ما التزموه من ذلك. فإذا لم يكن مذهبهم إجماعا، وكان الخلاف فيما احتجوا به قديما، وقامت الدلالة على خطأ قولهم، وصحة غيره، وجب تركه والمصير إلى ما صح، انتهى. وقد اختلف فى هذه الآية:

فقال أهل اللغة: الأصل فيه أن الظهر إذا أثقله الحمل سمع له نقيض، أى صوت كصوت المحامل والرحال، وهذا مثل لما كان يثقل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أقداره. وقيل: المراد منه تخفيف أعباء النبوة التى يثقل الظهر القيام بأمرها، وحفظ موجباتها، والمحافظة على حقوقها، فسهل الله ذلك عليه، وحط عنه ثقلها بأن يسرها عليه حتى تيسرت له. وقيل الوزر: ما كان يكرهه من تغييرهم لسنة الخليل- عليه السّلام-، وكان لا يقدر على منعهم إلى أن قواه الله تعالى وقال له: اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ «٣» .

وقيل: معناه عصمناك من الوزر الذى أنقض ظهرك لو كان ذلك الذنب حاصلا، فسمى الله العصمة «وضعا» مجازا، ومن ذلك ما فى الحديث أنه


(١) أخرجه الحاكم عن على، كما فى «كنز العمال» (٣٢١٣٥) .
(٢) سورة الشرح: ٢، ٣.
(٣) سورة النحل: ١٢٣.