للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ومنها: ميلك إلى الشىء بكليتك ثم إيثارك له على نفسك]

وروحك ومالك، ثم موافقتك له سرّا وجهرا ثم علمك بتقصيرك فى حبه. قال الجنيد:

سمعت الحارث المحاسبى يقول ذلك. ومنها: سكر لا يصحو صاحبه إلا بمشاهدة محبوبه، ثم السكر الذى يحصل عند المشاهدة لا يوصف، وأنشد بعضهم:

فأسكر القوم دور الكأس بينهم ... لكن سكرى نشا من رؤية الساقى

[ومنها: سفر القلب فى طلب المحبوب، ولهج اللسان بذكره على الدوام،]

أما سفر القلب فى طلبه فهو الشوق إلى لقائه، وأما لهج اللسان بذكره فلا ريب أن من أحب شيئا أكثر من ذكره.

[ومنها: الميل إلى ما يوافق الإنسان،]

كحب الصور الجميلة والأصوات الحسنة وغير ذلك من الملاذ التى لا يخلو كل طبع سليم عن الميل إليها لموافقتها له، أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسته، أو يكون حبه لذلك لموافقته له من جهة إحسانه إليه وإنعامه عليه، فقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، كما رواه أبو نعيم فى الحلية «١» وأبو الشيخ وغيرهما فإذا كان الإنسان يحب من منحه فى دنياه مرة أو مرتين معروفا فانيا منقطعا، أو استنقذه من هلكة أو مضرة لا تدوم، فما بالك بمن منحه منحا لا تبيد ولا تزول ووقاه من العذاب الأليم ما لا يفنى ولا يحول.

وإذا كان المرء يحب غيره على ما فيه من صور جميلة وسيرة حميدة، فكيف بهذا النبى الكريم والرسول العظيم الجامع لمحاسن الأخلاق والتكريم، المانح لنا جوامع المكارم والفضل العميم، فقد أخرجنا الله به من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، وخلصنا به من نار الجهل إلى جنات المعارف والإيقان، فهو السبب لبقاء مهجنا البقاء الأبدى فى النعيم السرمدى، فأى إحسان أجل قدرا وأعظم خطرا من إحسانه إلينا، فلا منة- وحياته- لأحد بعد الله كما له علينا، ولا فضل لبشر كفضله لدينا.


(١) لا أصل له: والحديث أخرجه أبو نعيم فى «الحلية» (٤/ ١٢١) .