للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم جاء الرابعة فقال: «اسقه عسلا» ، فقال: سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال: «صدق الله» . وفى رواية أحمد عن يزيد بن هارون فقال فى الرابعة:

«اسقه عسلا» ، قال فأظنه فسقاه فبرأ، فقال- صلى الله عليه وسلم-: «صدق الله وكذب بطن أخيك» .

قال الخطابى وغيره: أهل الحجاز يطلقون الكذب فى موضع الخطأ، يقال: كذب سمعك، أى زل فلم يدرك حقيقة ما قيل له، فمعنى: كذب بطن أخيك، أى لم يصلح لقبول الشفاء بل زل عنه.

وقال الإمام فخر الدين الرازى: لعله- صلى الله عليه وسلم- علم بنور الوحى أن ذلك العسل سيظهر نفعه بعد ذلك، فلما لم يظهر نفعه فى الحال مع كونه- صلى الله عليه وسلم- كان عالما بأنه سيظهر نفعه بعد ذلك كان جاريا مجرى الكذب، فلهذا أطلق عليه هذا اللفظ. وقد اعترض بعض الملاحدة فقال: العسل مسهل، فكيف يوصف لمن وقع به الإسهال؟

وأجيب: بأن ذلك جهل من قائله، بل هو كقوله تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ «١» . فقد اتفق الأطباء على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والعادة والزمان والغذاء المألوف، والتدبير وقوة الطبيعة، وعلى أن الإسهال يحدث من أنواع: منها الهيضة التى تنشأ عن تخمة، واتفقوا على أن علاجها بترك الطبيعة وفعلها، فإن احتاجت إلى مسهل أعينت ما دام بالعليل قوة، فكأن هذا الرجل كان استطلاق بطنه من تخمة أصابته فوصف له- صلى الله عليه وسلم- العسل لدفع الفضول المجتمع فى نواحى المعدة من أخلاط لزجة تمنع من استقرار الغذاء فيها، وللمعدة خمل كخمل المنشفة، فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء الواصل إليها، فكان دواؤها باستعمال ما يجلو تلك الأخلاط، ولا شئ فى ذلك مثل العسل، لا سيما إن مزج بالماء الحار، وإنما لم يفده أول مرة لأن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب الداء، إن قصر عنه لم يدفعه بالكلية، وإن


(١) سورة يونس: ٣٩.