للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغير ذلك من العبادات الظاهرات، قال فى فتح البارى: معنى النفى فى قولهم «لا رياء فى الصوم» أنه لا يدخله الرياء بفعله، وإن كان قد يدخله الرياء بالقول، كمن يصوم ثم يخبر بأنه صائم، فقد يدخله الرياء من هذه الحيثية، فدخول الرياء فى الصوم إنما يقع من جهة الإخبار، بخلاف بقية الأعمال، فإن الرياء يدخلها بمجرد فعلها. انتهى.

وعن شداد بن أوس مرفوعا: «من صام يرائى فقد أشرك» «١» . رواه البيهقى. وقيل: لأنه ليس للصائم ونفسه فيه حظ. وقيل: لأن الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفات الرب تعالى، فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق صفاته أضافه إليه، قال القرطبى معناه: أن أعمال العباد مناسبة لأحوالهم، إلا الصيام فإنه مناسب لصفة من صفات الحق، كأنه تعالى يقول:

إن الصائم يتقرب إلىّ بأمر هو متعلق بصفة من صفاتى. أو لكون ذلك من صفات الملائكة، أو لأنه تعالى هو المنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته، بخلافه غيره من العبادات، فقد أظهر سبحانه بعض مخلوقاته على مقدار ثوابها، ولذا قال فى بقية الحديث: «وأنا أجزى به» وقد علم بأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى ذلك سعة العطاء، وإنما جوزى الصائم هذا الجزاء لأنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده.

والمراد بالشهوة فى الحديث شهوة الجماع لعطفها على الطعام والشراب، ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص، لكن وقع فى رواية عند ابن خزيمة «يدع لذته من أجلى، ويدع زوجته من أجلى، وأصرح منه ما روى «من الطعام والشراب والجماع من أجلى» .

وللصيام تأثير عجيب فى حفظ الأعضاء الظاهرة، وقوى الجوارح الباطنة، وحميتها عن التخليط الجالب للمواد الفاسدة، واستفراغ المواد الرديئة المانعة له من صحتها، فهو من أكبر العون على التقوى، كما أشار إليه تعالى بقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ «٢»


(١) أخرجه أحمد (٤/ ١٢٥) من حديث شداد بن أوس- رضى الله عنه-.
(٢) سورة البقرة: ١٨٣.